السفير أيمن زين الدين يكتب :ما هى حسابات نتنياهو وماذا يحركه.

من يفكر فى الثمن الذى تدفعه إسرائيل، بشرياً ومادياً، كل يوم تستمر فيه هذه الحرب وحصار قطاع غزة، وما يترتب عليها من ضياع فرصتها فى إقامة علاقات شبه طبيعية مع جيرانها، وفوق كل ذلك النزيف المذهل فى سمعتها ومكانتها فى العالم، خصوصاً فى دول الجنوب، وبدرجة متزايدة السرعة فى الغرب، خاصة بين الشباب، والقوى التقدمية ويسار الوسط، وجمعيات العمل الإنسانى والمجتمع المدنى، والإعلام، والمسيحيين المتدينين بل واليهود الشباب والتقدميين، وبين المثففين والفنانين، وهى دوائر تتسع كل يوم…. التفكير فى كل هذه التكلفة، قياساً إلى ضآلة المكاسب التى تحققها إسرائيل من استمرار الحرب والحصار حتى الآن بل وتوسيعها، لا سيما فى ظل ما يصاحب ذلك من تمزق سياسى ومجتمعى داخل إسرائيل، يترك شعوراً بوجود جانب خفى أو غير مفهوم فى المسألة….
أو على الأقل يبقى غير مفهوم حتى مشاهدة فيلم “ملفات بيبى” “The Bibi Files” الذى يروى قصة القضايا الجنائية التى يحاكم فيها نتنياهو (الرابط فى أول تعليق)، وعندئذ يتبين بكل وضوح أننا أمام رجل مستد لفعل كل شئ، والتضحية بأى شئ، فى سبيل الاحتفاظ بالسلطة وحماية نفسه من الحساب على جرائمه، حتى لو تطلب الأمر تدمير قطاع غزة وقتل عشرات الآلاف من أهله، وحتى لو كان الثمن ضرب مصالح بلاده العليا والاستراتيجية ضربة لا يمكن علاج آثارها، وإهدار جهود كبيرة بذلها هو وسابقيه بكل صعوبة لبناء مكانة لبلاده جعلتها محل إعجاب واحترام واسعين، وحصنتها من النقد والمحاسبة، وهى المكانة ذات الأهمية الحيوية فى بقاء دولة بتكوين وظروف إسرائيل….
لكن هذه الحالة التى تجعل نتنياهو يذهب فى نزعته التدميرية إلى أبعد مدى يستطيعه، هى أيضاً نقطة الضعف القاتلة فى الموقف الإسرائيلى، وهى تزداد ظهوراً وتأثيراً كلما ازدادت خسائر إسرائيل، وتراجعت العوائد الأمنية والعسكرية لما تقوم به فى غزة……. وهذا يشير إلى صناع القرار فى العالم العربى بما يمكنهم فعله للحفاظ على أمنهم ومصالحهم، وفى فوق كل هذا حماية الشعب الفلسطينى وحقوقه، حيث أنه كلما ساعدوا على إثبات أن ممارسات نتنياهو تزيد من خسائر إسرائيل كلما ازدادت قوة الضربة التى توجه ليس فقط لنتنياهو كشخص، وإنما أيضاً للتوجه الذى يمثله، بما لذلك من آثار بعيدة المدى على سياسات إسرائيل وعلى مستقبل المنطقة…..
أما عن تفسير ما يحظى به نتنياهو من مساندة من أطراف خارجية حتى الآن، خاصة فى الولايات المتحدة، فهذا أمر يصعب تفسيره إلا بأن الأمر يتعلق بأدوات مساومة وتأثير قوية للغاية، تتغلب على الحسابات المتعلقة بالمبادئ أو المصالح أو حتى المنطق السليم….