رشاد حامد يكتب :صفقة الغاز: المكاسب الاقتصادية والسياسية وتكلفة البدائل

وقّعت مصر اتفاقًا كبيرًا لاستيراد الغاز الطبيعي من أسرائيل بقيمة تصل إلى 35 مليار دولار، يتضمن توريد 130 مليار متر مكعب حتى عام 2040. في هذا السياق، نناقش حجم المكاسب التي تحققها مصر من هذه الصفقة، ومدى جدوى البدائل المتاحة.
لماذا تستورد مصر الغاز ؟
رغم تحقيق الاكتفاء الذاتي حتى عام 2020 بفضل اكتشافات مثل حقل “ظهر”، إلا أن تراجع الإنتاج المحلي وارتفاع الطلب الداخلي، خاصة من قطاع الكهرباء، دفع الحكومة إلى البحث عن مصادر خارجية لسد الفجوة وضمان استمرار صادرات الغاز المسال.
الغاز الإسرائيلي يُعد خيارًا مستقرًا ومنخفض التكلفة، ويمكن استخدامه محليًا أو إعادة تصديره عبر محطات الإسالة المصرية، مما يعزز من مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة.
المكاسب الاقتصادية المتوقعة
تنقسم المكاسب إلى ثلاثة محاور رئيسية:
1- عوائد إعادة التصدير
– إذا أعادت مصر تصدير 60% من الغاز بعد تسييله، فإنها تحقق عائدًا صافياً يُقدر بـ 22 مليار دولار حتى عام 2040.
– تفاصيل العائد:
— تكلفة الشراء: 7 دولارات/MMBtu
— سعر التصدير العالمي: 15 دولارًا/MMBtu
— الفرق الصافي: 8 دولارات/MMBtu
— الكمية المعاد تصديرها: 78 مليار متر مكعب ≈ 2.75 مليار MMBtu
— العائد الإجمالي: 22.03 مليار دولار
2- مكاسب إضافية
– رسوم استخدام محطات الإسالة (إدكو ودمياط): تتراوح بين 1.5 و 2 دولار/MMBtu
– رسوم النقل عبر شبكة الأنابيب المصرية.
– عوائد الضرائب والتوظيف الناتجة عن العمليات الفنية واللوجستية داخل مصر.
3. توفير العملة الصعبة وتقليل واردات الوقود
– استخدام الـ40% المتبقية محليًا يلغي الحاجة لاستيراد الوقود السائل (غاز مسال وسولار)، مما يحسن الميزان التجاري ويعزز احتياطي النقد الأجنبي.
إجمالي المكاسب المتوقعة:
— إعادة التصدير: 22 مليار دولار
— المكاسب الإضافية: 30 مليار دولار
— المجموع الكلي: 52 مليار دولار
مقارنة مع البدائل المحتملة
رغم وجود خيارات نظرية، إلا أن البدائل تواجه تحديات كبيرة:
– قبرص: حقل “أفروديت” واعد، لكن تطويره متعثر، والخط المزمع لنقل الغاز لن يُنجز قبل 2027 أو 2028.
– الغاز المسال العالمي (LNG): مكلف جدًا، بتكلفة تتراوح بين 9.5 و16.5 دولار/MMBtu، مقارنة بـ 6 إلى 8 دولارات للغاز الإسرائيلي. الفارق يصل إلى 27.5 مليار دولار.
– العراق وليبيا: رغم الإمكانيات، إلا أن الأوضاع السياسية والأمنية وغياب البنية التحتية تجعل الاعتماد عليهما غير عملي حاليًا.
– النتيجة: إسرائيل هي المصدر الوحيد حاليًا القادر على تلبية احتياجات مصر بكميات كبيرة، بأسعار تنافسية، وباستقرار في التدفقات.
الأثر الاستراتيجي والسياسي
تعزز الصفقة من مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة، خاصة ضمن منتدى غاز شرق المتوسط (EMGF)، حيث تُعد القاهرة مقرًا له وتملك البنية التحتية الوحيدة المؤهلة لتسييل وتصدير الغاز إلى أوروبا.
كما تكرّس مصر كشريك رئيسي للاتحاد الأوروبي في ملف أمن الطاقة، في ظل سعي أوروبا لفك الاعتماد على الغاز الروسي، مما يمنح مصر نفوذًا دبلوماسيًا واقتصاديًا ويفتح الباب أمام تمويلات واستثمارات أوروبية في البنية التحتية.
الخلاصة
رغم الجدل السياسي، تمثل صفقة الغاز مع إسرائيل خيارًا عقلانيًا واستراتيجيًا لمصر في الوقت الراهن، نظرًا للفوائد الاقتصادية المباشرة، والتكلفة المنخفضة، والمردود السياسي الكبير.
رغم المكاسب، لابد أن تعمل مصر بالتوازي على:
– تعزيز الاستثمارات في التنقيب والإنتاج المحلي
– تسريع مشاريع الربط مع قبرص وليبيا
– الحفاظ على التوازن السياسي مع شركاء المنطقة