كتاب وشعراء

تمرد قلم … بقلم : سابرينا عشوش

” تمرد قلم “…. ” ردّي عليك… يا خيبة الحبر ”

ما كنتُ أدري أن القصيدة تُطعن
لا بالحبر،
بل بكفٍّ من صعلوك يتقن السُمّ أكثر من الوزن،
مكسورِ المرايا،
يشحذ خيانته من وجع غيره.

كنتَ في ناظري بيتًا مضيئًا،
فإذا بك رتقٌ قديمٌ في ثوب المعنى،
تحشو السطورَ بالخذلان،
وتنقض العهد كالأغبياء حين ينسون لغتهم الأصلية.

جئتني مدهونًا بالبلاغة،
لكن من الداخل: خواء
وثرثرةُ من لا يحسن الإصغاء.
تنكأ جُرحي بأظافر جهلٍ
تلمّعت بزيف الكبرياء.

تعبتُ منك…
يا مهرّج القوافي،
تتسلّل خلسةً إلى مجازاتي،
ثم تذرّها كفتاتٍ للكسالى،
وتظنّني سأصمت؟
أنا من رحم المجاز وُلِدتُ،
أرضعتني الأسطورة،
وألبسني النثر تاجَهُ الحر.

أيها “القلمُ السفيه”،
هل تعرف من تخاطب؟
أنا نبع القصيدة إذا جفّ الحبر،
ظلّ الأنثى إذا هبّت الريح…
ولا تنحني إلا لتسجد.

أنتَ تطعن؟
افعل.
لكن نصلُك من ورق،
وصوتك رجعُ كذبةٍ لا تصمد في هواء الحقيقة.

أنا لا أكتب لأُعجبك،
ولا لأملأ غرورك بما لستَ له أهلًا،
ولا لأستجدي إعجابًا من فمٍ يمضغ القصائد كأنّها علكة.

أنا امرأة…
من طينٍ عفيفٍ
يُذبح ولا يصرخ،
ومن صبرٍ ينحت في الجبال
ولا يتهاوى،
ومن شرفٍ،
تشمّه الحروف حتى وهي تنزف.

فلتكرهني…
لكن قف، إن استطعت،
فأنا لا أُشبهك،
ولا أتنازل،
ولا أكتبك،
ولا أرجوك.

لا أبيع المجاز بدرهم،
ولا أشتري عطرًا فاسدًا من سوق القصائد المستعارة.

انسحبْ بهدوء،
قبل أن تصفعك الاستعارات:
أنت لا تُجيد الود
ولا الصداقة،
ولا الرجولة.

تعبتُ منك…
يا من تهرول خلف الظلال
لتصفع الضوء،
ثم تُنكر أناملك على خدّ القصيدة.

تكتبُ بغلٍّ،
كأنك تنتقم من امرأة لا من وزنٍ أو قافية،
كأن القصائد أنثى…
وأنت لا تُجيد سوى الطعن في الأنوثة!

دعك من عرضي،
فهو أطهر من خيالك،
أرفع من وهمك،
وأعلى من سقف جهلك المائل.

أنا لستُ هامشًا على دفترك،
ولا ريشةً كسرتها بجهلك،
أنا الحقيقة حين تصرخ،
والمعنى حين يثور.

سكوتي عنك…
كان شرفًا،
لكنه لم يعد يُشبهني،
فأنا وجعٌ لا يُهادن،
وحرفٌ لا ينحني!

أنا القصيدة حين تتوضّأ بالكرامة،
وتغسل وجهها بالدمع،
فتغدو رايةً لا تنكس.

فاكتبْ ما شئت،
اهمس، عِر، تمادى…
لكن اعلم:
أن قلمي لا يُستباح،
وحرفي لا يُباع،
وشرفي لا يُمَسّ… حتى بظلّ كذبتك.

أنا أنثى…
لكنني قبيلة.

أنا التي
إذا انكسر الحرف في عينيها
تتوضّأ بالدم،
وتكتب بالوجع لا بالوداعة.

أنا الأنثى
حين يغرزني الجاهل في خاصرة القصيدة،
أقوم كنبعٍ من الحق،
وأمحو ظلك من دفاتري
كما تُمحى الخطيئة من سفرِ قدّيس.

ثوبي نقيّ،
لا تلوّثه البصاقات الرخيصة،
ولا تمسه يدٌ تكتب للسخرية لا للإلهام.

تعبتُ من لهاثك خلف مجدٍ مستعار،
كأنك تسرق من وهجي لتُضيء رمادك،
ثم تعود لتلعن الضوء!

أيها الطفيليّ على مائدة الكبار،
قلمي ليس مضجعًا لرغباتك،
ولا نزلاً لفحولتك الورقية.
هو منبرٌ،
وصوتٌ،
وكرامة لا تُشترى.

أنا لا أناديك،
بل أُبعدك.

أنتَ ظلّ لا لون له،
وحبرك فاسد في ميزان الفكر،
فاخرج من دفاتري
كما يخرج الشوك من جرحٍ شُفي.

أنا من نسل العطاء،
دمي الكرم،
لغتي الكرامة،
وسيفي القلم…
يخطُّ لا ليرضي أحدًا
بل ليقيم للمعنى عرشًا لا يهتز.

فانصرفْ،
قبل أن يبتلعك الحرف،
وتأكلك القصيدة،
وتُدفَن في الهامش.

سابرينا عشوش
شاعرة الحرف الحرّ، وحارسة المجاز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى