رؤي ومقالات

قراءة وجدانية لرواية “ما لي وطن” للدكتورة مريم اليماني… بقلم د. محمد محمود أسعد كاتب سوري مقيم في الإمارات

العربي اليوم

توطئة:

كان لي شرف القراءة الأولية لرواية “ما لي وطن” للكاتبة الأردنية المتميزة الدكتورة مريم علي اليماني التي خصتني فيها في إبداء رأيّ الشخصي بكل شفافية.

تمتد معرفتي الشخصية بالدكتورة مريم لسنوات عدة عبر متابعتي المستمرة لمنشوراتها الغنية بمفرداتها ومعلوماتها التي لاقت النشر والاستحسان على صفحات ومجلات منصات أدبية مختصة بشؤون الأدب والمجتمع ذات اهتمام مشترك أهمها: “الاتحاد الدولي للكتاب العرب” و”الأكاديمية الدولية للكتاب والمفكرين المثقفين العرب”، لأنني أيقن بثراء قاموسها الثقافي، وقدرتها على تسليط الضوء على مختلف القضايا الاجتماعية المطروحة بوعي ناضج وإحاطة شاملة، أصبحت قراءتي لمقالات وإبداعات الدكتورة مريم تجربة ممتعة ومثيرة للشغف.

تعمقت معرفتي الشخصية بالدكتورة مريم أكثر حين شرفتني بالتقديم لروايتي “أساور من حديد”، وها هو التشريف يتكرر لي بطلبها الأخوي بإبداء الرأي بمكنون عملها الأدبي الجديد “ما لي وطن” الذي يأتي ليضيء ركنا هاماً في حياتنا العامة: ” الانتماء للوطن”، من خلال عرض عدة لوحات متنوعة مرسومة بأسلوب راقٍ يجمع بين بساطة الاطار وعمق المحتوى.

رواية “ما لي وطن” كما أراها

إن ما يميز هذه الرواية “القصيرة” في عدد صفحاتها والطويلة في مدلولاتها ليس فقط تنوع وتعددية فصولها، بل أيضًا الأسلوب السلس الذي يعكس عمق الفكر وسعة الاطلاع عند الكاتبة. فكل فصل هو بمثابة قصة لو استطالت به الكاتبة لكان رواية بحد ذاته تعزز شعور الانتماء للوطن وتقوي الروابط معه ، وتعطي القارئ شعورا حيا من الحلم المنتظر وإعادة النظر في الواقع المرير الذي يعيشه.

رواية “ما لي وطن” تجمع بإتقان بين تحفّيز القارئ على التفاعل مع واقعه بروح منفتحة ونظرة تحليلية. فمن خلال هذا العمل وأبعاده الثلاثة التي أود الوقوف عندها قليلاً، تؤكد الكاتبة على أهمية نشر الوعي الوطني وإثراء العقول، ليبقى مفهوم الوطن والمواطنة نبراسًا لكل من يسعى للبحث عن الجذور الممتدة والمساهمة في تقوية شعوره بالانتماء.

البعد الروحي:

تأخذنا رواية “ما لي وطن” في رحلة مفعمة بالحس الوطني عند البطلة ليلى ومن الكاتبة من خلال إشراقات روحية تحاول أن تمسّ فينا الروح الوطنية عند كل منا قبل العقل، وتوقظ فينا إحساساً عميقًا بالذات لضرورة إثبات الوجود. فهذه الرواية القصيرة ليست مجرد تأملات فلسفية، بل واقع يضيء زوايا النفس، ويعيد تشكيل الوعي الإنساني إنها اشبه بمرايا تعكس حقيقة الروح الباحثة عن الوجود والنور في عالم أصبح أكثر عتمة وظلمة.

البعد الإداري:

رغم قلة عدد صفحات الرواية عن المألوف في السرد الروائي، إلا أنها تنبض بحكمة تتجاوز المتوقع، فالنص يسير في خط روحي يربط الإنسان بفكرة الوطن ارتباط وثيقا، حيث تصبح الفكرة إن تحققت ضوءًا داخليًا يقود حاملها إلى حالة من الصفاء الذهني والتوازن الروحي.

اللغة في الرواية ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي موسيقى داخلية تشبه الترانيم الروحية، حيث تتناغم الكلمات مع إيقاع الروح. فالكاتبة لم تكتفِ بالسرد، بل عملت على نحت المعاني للتناغم مع خفقة كل قلب ورعشة كل روح وكأنها تسعى إلى إخراج النور المخبأ داخل الكلمات،

البعد المكاني والزماني:

رغم ان رواية “ما لي وطن” ركزت على ضرورة مفهوم الوطني كجغرافية مكانية لكل منا كجوهر تدور حوله الرواية لكن احسب أن الكاتبة تجاهلت تحديد المكان والزمان لتتجاوز فيهما الحدود، وفضلت في ذلك التعويم على التخصيص كي تلامس قلوب من تركوا ديارهم مجبرين ليصبحوا مجرد أرقام في مشارق الأرض ومغاربها.

خاتمة:

نصيحتي لك أيها المغترب أينما كنت ومهما كان وضعك في غربتك وكلما اشتقت إلى وطنك، أن تقرأ هذه الرواية كي ترى وطنك من جديد في كلمات ليلى، أن تستشعر في احاديثها الهادئة التي هي أشبه بأنهار بلدك الرقراقة، أن تفخر به في نبرات صوتها العالية التي هي أشبه بجبال وطنك الشامخة.

ألف مبارك للدكتورة مريم علي اليماني هذا التنوع في النشر وهذه المشاعر النبيلة، مع بالغ أمنياتي لها بمزيد من الإبداع والتفوق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى