كتاب وشعراء

حبيبتي ابنتي سميتها مريم…..سيره ذاتيه للكاتب فؤاد شهاب

ليست كل الحكايات تبدأ من لحظة فرح، لكن بعضها يبدأ منها لينقلب فجأة إلى اختبار يغيّر مسار الحياة. في هذا الكتاب، يأخذنا د. فؤاد شهاب وزوجته نادية (خولة)في رحلة إنسانية حقيقية، من لحظة ميلاد ابنتهما الأولى، إلى معركة طويلة ضد الصمت والموروثات، بحثًا عن الحق في الصوت والحياة. إنها قصة أسرة قررت أن تصنع الأمل بيديها، وأن تحوّل المحنة إلى رسالة.

القصة تبدأ بأيام الفرح الأولى، من الخطوبة والزواج وولادة مريم، المولودة التي كانت رمز البدايات المشرقة. لكن سرعان ما ظهرت المؤشرات التي أقلقت الوالدين: الطفلة لا تنطق كلماتها الأولى. وبعد سلسلة من الفحوصات، جاء التشخيص قاسيًا: مريم وُلدت فاقدة السمع.

كان أمام الأسرة خياران: الاستسلام للموروثات التي ترى في الصمم حاجزًا لا يمكن تجاوزه، أو مواجهة التحدي. اختار فؤاد ونادية الطريق الأصعب، ليبدآ رحلة بحث عن الأمل. تنقلوا من البحرين إلى لندن، ثم إلى القاهرة، حيث خاضت الأم وحدها أيامًا مرهقة بين رعاية مريم ورضيع آخر، فيما كان الأب يتنقل بين العمل في البحرين وزيارات متقطعة محمّلة بالدعم والحب.

المعركة لم تكن ضد الصمم فقط، بل ضد نظرة المجتمع التي تخلط بين فقدان السمع واستحالة النطق و والبعض يربطها أيضاً بضعف القدرات العقلية. كانت مواجهة مزدوجة: مع القدر، ومع الجهل. وفي القاهرة، ومع برامج التأهيل المكثفة، بدأت مريم تحقق المعجزة. تعلمت الكلام، وأتقنت التعبير، وأصبحت قادرة على الحوار بذكاء وثقة.

العودة إلى البحرين كانت لحظة انتصار. مريم، التي كان البعض يشفق عليها أو يشكك في قدراتها، أثبتت أنها قادرة على كسر الصورة النمطية، وأصبحت مثالًا ملهمًا. لم يتوقف الأمر عند نجاحها الشخصي، إذ قرر د.فؤاد تحويل التجربة إلى عمل مؤسسي يخدم الآخرين. هكذا تأسس مركز الأمير سلطان لتنمية السمع والنطق، ليصبح منارة أمل لعشرات الأسر، ودليلًا على أن التغيير يبدأ من مبادرة فردية شجاعة.

يأخذنا الكتاب عبر مراحل حياة مريم: من الطفولة، إلى الدراسة الابتدائية والثانوية، وكذلك الجامعية وصولًا إلى زواجها، حيث تكتمل الصورة التي حلم بها والداها منذ البداية. وفي الختام، يقدم المؤلف شهادات حية من أشخاص عاصروا التجربة، ليؤكد أن قصة مريم ليست مجرد حكاية أسرة، بل رسالة لكل من يواجه التحديات: أن الحب حين يقترن بالعلم والعمل يمكن أن يغيّر حياة طفل، ويُلهم مجتمعًا بأكمله.

حبيبتي ابنتي سميتها مريم ليس فقط سيرة انتصار، بل دعوة لإعادة النظر في مفهوم الإعاقة، وفهم أن العجز الحقيقي ليس في الحواس، بل في العقول التي ترفض أن ترى النور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى