رشاد حامد يكتب :من فقدان الأمل في ازالة النجاسة إلى المهمة التاريخية

ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطابًا وصف فيه نفسه بأنه في “مهمة تاريخية وروحية” لحماية مستقبل إسرائيل وشعبها. جاء هذا الخطاب بعد أيام قليلة من إعلان فشل آخر بقرة حمراء، ما يدفع إلى ربطه برد فعل غير مباشر على خيبة أمل التيار المسياني، وكأن نتنياهو يقول لهم: “حتى إن لم تتحقق العلامة الطقسية، فإن المشروع التاريخي مستمر، وأنا جزء من تحقيقه.”
فلاش باك:
في سبتمبر 2022، وصلت إلى إسرائيل خمس بقرات حمراء من ولاية تكساس الأميركية، بتمويل مشترك بين جهات إسرائيلية وأخرى إنجيلية أميركية. كانت أعمارها حينها نحو سنة واحدة، ما يعني أن سن الذبح المناسب (قرابة ثلاث سنوات) سيحل بين أواخر 2024 ومنتصف 2025.
عاش اليهود، وخاصة المسيانيين، حلمًا بأن إعادة بناء الهيكل باتت وشيكة، وبدأوا يترقبون لحظة الذبح.
ما هي البقرة الحمراء؟ ولماذا يُعتبر جميع اليهود نجسين؟
في الشريعة اليهودية المستمدة من سفر العدد – الإصحاح 19، تُعد البقرة الحمراء من أندر الطقوس وأكثرها رمزية. يجب أن تكون أنثى مكتملة النمو، ذات لون أحمر موحد دون أي شعرة بلون مختلف، سليمة تمامًا من أي عيب أو إصابة، ولم تُستخدم في أي عمل من قبل.
تُحرق البقرة بالكامل، ويُخلط رمادها بماء من مصدر طبيعي (مثل نهر أو بحيرة) لصنع “ماء التطهير”، الذي يُستخدم لتطهير من أصابته نجاسة الميت. ووفقًا للتيار المسياني–القومي في إسرائيل، لا يمكن استئناف العبادة في الهيكل الثالث أو دخول جبل الهيكل بطهارة إلا بعد تنفيذ هذه الشعيرة.
ونجاسة الميت تُعد أشد أنواع النجاسة، وتنتج عن لمس جثة إنسان، أو التواجد تحت نفس السقف معها، أو المرور فوق قبر. وبما أن التطهير منها لا يتم إلا برماد البقرة الحمراء الممزوج بالماء الجاري، مع طقس رش في اليوم الثالث واليوم السابع، ثم الاغتسال، وبما أن آخر بقرة حمراء كانت في سنة 70 ميلادية، أي قبل نحو 2000 سنة، فإن جميع اليهود اليوم يُعتبرون نجسين بأشد أنواع النجاسة، حتى الطفل حديث الولادة، لأنه وُلد في بيئة لم تُطهر من نجاسة الميت.
أهمية البقرة الحمراء في العقيدة المسيانية
من هنا، تظهر الأهمية القصوى للبقرة الحمراء، إذ تُعتبر في اعتقادهم علامة إلهية على اقتراب بناء الهيكل الثالث وظهور “الماشيّاح” (المخلّص). لذلك، تم تأسيس مشاريع مثل “معهد الهيكل” لمراقبة الأبقار والبحث عالميًا عن نماذج مطابقة للشروط.
لكن الأحداث لم تسِر كما يأملون:
– البقرة الأولى: استُبعدت في منتصف 2023 بسبب ظهور شعيرات بيضاء حول العين.
– الثانية: استُبعدت في أواخر 2023 بسبب بقعة سوداء صغيرة.
– الثالثة: تم استبعادها في أوائل 2024 بسبب جرح بسيط ترك علامة دائمة.
– الرابعة: فقدت شرط اللون في أواخر 2024.
– الخامسة والأخيرة: في أواخر يوليو 2025، أعلن الحاخامات أنها لم تعد مطابقة للشروط بعد فحص دقيق، ما يعني عمليًا أن المشروع الحالي فقد كل بقراته المؤهلة.
هذا الإعلان شكّل صدمة دينية في الأوساط المسيانية، لأنه يعني تأجيل أي طقس تطهير جماعي إلى أجل غير معلوم.
نتنياهو واستغلال الخسارة الدينية
استغل نتنياهو حالة الإحباط الناتجة عن فشل مشروع البقرة الحمراء ليطرح نفسه كبديل لتحقيق “الخطة الإلهية”، عبر الترويج لفكرة إسرائيل الكبرى، وكأنه يقول: “حتى إن تأخر الطقس، فإنني أواصل تنفيذ المشروع التاريخي.”
الدلالة السياسية والدينية
الربط بين الحدثين يُظهر كيف تتداخل الرموز الدينية مع الاستراتيجيات السياسية في إسرائيل. فالسياسة قد توظف النبوءات والرموز الدينية لكسب ولاء شرائح شعبية، بينما النبوءات نفسها قد تتأثر بالمصالح والمناورات السياسية.