سلام مسافر يكتب :ذهب ممتطيا ” الوحش” وعاد راكبا “أوروس”

لم تنتظر غالبية المراقبين والخبراء اختراقا في الملف الاوكراني على طاولة قمة بوتين- ترامب التي حبس العالم أنفاسه في انتظار نتائجها.
جلس الوفدان الروسي والأميركي بصيغة ثلاثة زائد ثلاثة( وزيرا الخارجية ومساعدا الرئيسين) و انتهت القمة دون مأدبة غداء خُطط لها؛ ولم يجتمع الطرفان بصيغة خمسة زائد خمسة( بإضافة وزيري الدفاع والمالية)، وانتهت في ثلاث ساعات بدلا من سبعة؛ توقعها المتحدث باسم الكرملين؛ الأمر الذي يعني ان ترامب لم يتفق مع بوتين على صفقات كان يخطط لها في حال لمس ليونة روسية في الملف الأوكراني.
على مدى الأسابيع والأيام السابقة للقمة، نظرت كييف ومعها الحلفاء الأوربيين بحذر وخوف من ان يصبح مصير أوكرانيا وأراضيها في ” مينيو” مائدة القمة، بعد ان أخفق ترامب بإقناع بوتين في عقد اجتماع ثلاثي يضم زيلينيسكي إلى طاولة المفاوضات وليس عليها. ولعل مخاوفهم تتضاعف بعد الاختراق الذي حققه بوتين في وضع علاقات بلاده مع الولايات المتحدة على سكة التطبيع؛ كما البساط الأحمر المفروش في ارضية القاعدة العسكرية؛ إلمندورف-ريتشاردسون مكان القمة، والاستعراض الجوي لطائرات بي 2؛ وقد اختلف المراقبون في تفسير مغزاها.
فمنهم من يعتقد ان ترامب يريد إظهار قدر كبير من الترحيب بالضيف على أرض ألاسكا، وكانت قبل 160 عاما، مقاطعة روسية؛ واخرون يرون فيها تهديدا بالقوة ” الخارقة للضوء والصوت” على خلفية تقارير انتشرت حول تجربة روسيا عشية القمة، صاروخ خارق لكل الأبعاد.
ينوه الفريق الثاني إلى ان الشبح بي 52 نفسها من دمر مفاعلات إيران النووية، حليف روسيا وان ترامب يريد التذكير بحدث هز العالم وأثار استياء موسكو كما عبرت بيانات الكرملين؛ وان اتسمت بالحذر الشديد في انتظار القمة المنتظرة.
لعل بوتين لم يتوقع ان يصطحبه ترامب في ” الكاديلاك” الرئاسي الملقب بالوحش فيما كانت ليموزين بوتين الفارهة ” أوروس”تنتظر عند مدرج طائرة الوفد الروسي. لكن من المحتمل للغاية ان بوتين؛ حسب لتصرفات غير متوقعه، اعتاد العالم عليها من ساكن البيت الأبيض، واستعد لها.
بغض النظر عن مغزى فعاليات ترامب مع بوتين؛ فإنها لم تدفع الرئيس الروسي إلى تليين موقف موسكو في الملف الأوكراني، مشددا في
” اللامؤتمر صحفي” كما بات المراسلون يطلقون على الإيجاز بعد نهاية القمة، ان روسيا تصر على ازالة أسباب الأزمة الأوكرانية لتسويتها نهائيا.
نجح بوتين، في كسر الجليد، والعزلة في العلاقة مع القوة المهيمنة على القرار العالمي، وبشكل خاص الأوربي الذي قد تكون صور احتفاء ترامب ببوتين؛ أرقتهم ليلة الجمعة وقد تؤرّقهم طويلا؛ قبل ان يجدوا طريقا، ليس على بساط أحمر، للخروج من الورطة الأوكرانية وقد حولها ترامب إلى برقع يخفي المشاكل الداخلية، وفضائح الرئيس الشبق وغيرها من القضايا التي يركز عليها إعلام مناهضي ترامب والرغبة الأوروبية في إنتهاء ولاية رئيس أميركي، يفرض عليهم شروطا وضرائب ويجبرهم على زيادة الإنفاق العسكري بدل الاتكاء على الحليف الأطلسي.
تفوق بوتين على ترامب في ألاسكا، كما تجمع التعليقات الأميركية، وكسر الرئيس الروسي العقوبات المفروضة على روسيا وعليه شخصيا، و قلصت القمة خيارات أوروبا في خطط دعم أوكرانيا التي تحتاج الى المعدات العسكرية وتعاني من نقص في عديد القوات ومن اقتصاد متهالك بحاجة إلى مليارات من غير المحتمل ان أوروبا غير المعروف عنها السخاء مستعدة لتمويل حرب طويلة يريد ترامب، غلق أبواب جحيمها ليس حبا بالبشر، وإنما طمعا في نوبل، ولأنه يحسب لكل سنت يدفعه.
تبدأ منظومة العقوبات على روسيا بالتفكك وتنطلق حركة راس المال بين الشركات الأمريكية والروسية؛ فليس صدفة ان الدور الأبرز في فرش البساط الأحمر امام قمة ألاسكا؛ كان لرجل العقارات الأميركي،ستيف ويتكوف، صديق وشريك ترامب ؛ ورجل الأعمال الروسي، المولود في كييف؛ كيريل دميتريف مدير عام الصندوق الروسي للاستثمار المباشر وعلى يديهما يتحقق الاختراق في العلاقات الاقتصاديّة بين روسيا والولايات المتحدة لينعكس على العلاقات السياسية.
تضيق الخيارات أمام كييف وحليفاتها فيما القوات الروسية تتقدم حثيثا في المعارك، ومع كل مكسب على الأرض تتضاعف شروط السلام.
صعد بوتين على ” الوحش” في الطريق إلى القمة. وعاد منها الى الطائر الرئاسي على متن الليموزين الروسي ” أوروس” وسط انتباهات مشدودة في كييف والعواصم الأوربية التي لا يمكن إلا ان تأخذ في الحساب كل ما جرى علنا وخلف الأبواب في قمة ألاسكا.