كتاب وشعراء

عتمةٌ لا تُضاء .. شعر : سابرينا عشوش

“عتمة لا تُضاء”
لم أعشقِ الأقنعةَ كي أرى الوجوها،
أنا أرى ما يتخفّى في الظلالِ،
وما يُخفيه الغبارُ من الحكايا المطمورةِ
تحت أظافرِ المدنِ،
حيث يضيع الضوءُ في أقبيةٍ عتيقة.

أنا لا أُحاربُ بالجرأةِ وحدها،
بل أجعلُ من جُرحي سيفًا
ومن رعشتي خيلاً تهدرُ
على أسفلتِ الطرقاتِ الخانعة.

أمزّقُ الخرائطَ كلما مدّت إليّ
خيوطها الملطّخة بالوهم،
أمزّقها كما يُمزَّقُ
وشاحُ الليلِ حين يتبرّجُ فجأةً بالبرق.

العمرُ عندي ليس قاطرة،
بل نهرٌ يفيضُ على جدران الوقت،
فإمّا أن أغرقَ فيه
أو أخلعَ عني ماءَهُ
وأمشي على سطحِه كأنني صلاة.

أنا لا أرقصُ مع الزهور،
بل أزرعُ في أهدابِها أصواتي،
فتتعلمُ كيف تُغنّي
للريحِ اليتيمة.

أنا لا أطيرُ أعلى الطيور،
بل أنسفُ أجنحتي
لأصبحَ سماءً كاملةً،
تعبرني السُّحبُ دون أن تنحني.

أنا الغابةُ التي لا يطالُها الفجر،
والشجرةُ التي تُخفي في جذورها
كتبًا محظورةً،
وأنا النبعُ الذي لا يسقي العطاشى،
بل يورّثهم عطشًا أبديًّا
كي يظلّوا يُفتّشون عن روحي.

لا، لن أكون امرأةً عادية؛
أنا الفراغُ الذي يتّسعُ لكلِّ نجمٍ،
وأنا الصدى الذي لا يعرفُ
لأي صوتٍ وُلِد.

لا تتركني مصباحًا على الشاطئ؛
فأنا البحرُ نفسه،
أُغرِقُك بالمدى،
وأُطفئُ كلّ محاولاتك في إنارةِ عتمتي.

آه يا أنت، لو تعلم، بل مايجب ان تعلم،
أنا الروحُ الخارقةُ قبل الاتفاقيات،
المعاهدةُ التي لا تُكتَب،
الوطنُ الذي لا يُحتلّ.
أنا منفى العاشق،
وميلاد النار
في قلبِ السحاب.

سابرينا عشوش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى