محمد يونس يكتب :حياة البشر قصة درامية

لو كان هناك كائنا عاقلا يرقب الكوكب الازرق من الفضاء منذ 150الف سنة فسيجد من بين عشرات الالوف من الاحياء التي تعيش علي اليابسة .. اربعة أو خمسة أنواع .. تسير علي قدمين ..تتحرك في قطعان تبحث عن الماء و الطعام ..تنتشر مع الزمن لتتواجد في كل قارات العالم . ( عندما نقول مرور الايام أو الزمن فهذا يعني الاف السنين ) ..
هذه الانواع شبه البشرية لم تكن تملك اسلحة الفتك التي لدى الضوارى حولها .. كانت ضعيفة تمثل وجبات لذيذة سهلة خصوصا للذئاب ..و لكنها كانت تكتسب كل يوم خبرة جديدة ..و تراكم هذه الخبرات و تنقلها للأجيال التالية .. لتتعرف علي الاعداء و تحتاط منها بسكني المغارات و تنبه بعضها بعضا ..بحيث تحولت الإشارات الساكنة و الاصوات الغامضة لسلاح توافق وتحذيرتطور بمرور الايام ليصبح لغة
إكتشاف النار ..كان علامة فاصلة في تاريخ أمان و نمو تلك الأنواع .. لقد ابعدت عنها صيادى الليل من الضوارى و اضاءت المكان ..و إستطاعوا بفضلها إنضاج الطعام .. خصوصا اللحوم .فاصبحوا من الناس هومو سابين .(بشر ).
البعض يتصور أن رحلة هؤلاء البشر من التوحش إلي حياتنا المعاصرة .. كانت سهلة و بسيطة و مفروشة بالحرير .. ففي إعتقادهم كما يقول القدماء ..أن الأجداد قد وجدوا علي وعي كامل و حكمة ..و عاشوا في جنات سابقة حياة رغدة ..أمنة .. يشتاق لها أهل زماننا..و يسعون لها .
هذا يمثل خللا في المعلومات
حياة البشر قصة درامية .. مخيفة .. تمتليء بالدم ..و العرق .. و الجهل ..و الكفاح و التطور و مراكمة الخبرة ..و التعلم من الأخطاء .بما في ذلك حياتنا الحديثة فهي رغم سهولة التنقل ..و الحصول علي المعلومة .. و توفر الغذاء و الأمان ..نتج عنها .. شكل من اشكال الإسترخاء .. و عدم الحذر وإستسلام القطيع المغيب لقادة من الذئاب المفترسة التي تحكم الكوكب و تديرة لصالحها من البيت الابيض .
الناس .. لمدة عشرات الالوف من السنين . تطوروا ببطء .. و قدموا ملايين الضحايا التي لم يسمع عنهم إلا المحيطين بهم .. لقد كانت المسافات ..وعدم وجود وسائط توثيق و نقل المعلومة .. ستر جعل من الصعب علي سكان إفريقيا معرفة أن المغول بقيادة جينكيز خان قتلوا بالسيف و النبلة و الحربة أربعين مليون صيني .. أو أن ضحايا البلجيك في الكونغوكانوا عشرة ملايين مواطن إستعبدوهم كي ينتجوا المطاط و الماس .. أو أن الطاعون الاسود قضي علي أكثر من نصف سكان أوروبا .. أو أن الامريكان المهاجرين أفنوا الملايين من المواطنين الاصليين .و مسحوا حضارات كاملة من الوجود .
الإنسان لفترة طويلة من إمتلاكه الوعي لم يكن يعرف كيف يعبر عن نفسه و يتداول خبرته ..و إستغرق عقود طويلة حتي يطور لغة تفاهم ..أو يدون أخباره ..
تعلم الكتابة كان عملا مرهقا جعلها دوما حكرا علي اعداد قليلة من الناس تتناقل المعلومات و تستخدمها في السيطرة علي الاخر ..
مئات السنين مرت حتي يتعلم الإنسان كيف ينتج كتابا .. فقد كانت حيازة المدونات لا يملكها إلا الملوك و الأغنياء أما باقي البشر .. فيعيشون في جهل قطعان ترعي في سكون ..لا يعلمون ما يدبرر لهم .إلا القليل ..
اليوم لم يتغير الموقف كثيرا رغم سهولة نقل الصورة و التسجيل الصوتي . و الفيلم و الإنترنيت .. و وسائط الإتصال .. لقد اصبح العديد منا يعرف الاخبار بمجرد حدوثها و يجلس ساكنا لا حول له أو قوة مرعوبا من الذى يصله مجتزئا أو ناقصا أو موجها و لا يكشف أن الذئاب تصيغ المعلومة وتستخدمها لتقتل و تشل إرادة الملايين …
الكفاح و الصراع و تقديم الضحايا ..و عدم الرضي بالواقع ..و الرغبة في النجاة و التغيير .. صفة بشرية منذ الهوموإريكتوس الذى عاش علي الأرض يهرب من الوحوش.. وحتي مقاومة العدوان الإسرائيلي في غزة ..و هدر أدمية ملايين الضحايا .
مقاومة عوامل الفناء هي التي صنعت حضارة البشر فالهوموإريكتوس لم يستسلم للذئاب التي كانت تمثل أله قتل لا تتوقف.. بل إستأنسها و حولها لكلاب صديقة تساعدة في رحلات الصيد و الرعي ..و الحراسة ..و لم يخاف من عنف الابقار والخنازير البرية المتوحشة والخيول
.. بل روضها .. بنفس الطريقة التي روض بها بعد ذلك قطعان البشر بتقديم طعام سهل لها يربطها بمن بيده العطاء .
لا أريد أن أسترسل في شرح كيف تطورت الحضارة الإنسانية و لكن أود أن أؤكد علي أن تاريخنا كناس هو مقاومة الخضوع و الإستسلام .. و خوض المعارك و تحويل الظرف غير المواتي لظرف موائم ..لتحسين الحياة.. و إلا لفنينا منذ الاف السنين لو إستسلمنا لمكائد البغاة والغاصبين
بكلمات أخرى لولا المقاومون .. للجبابرة.. لبقينا تحت سيطرة ساحر القبيلة .. و فتواتها و لما اصبح في مقدور الناس التجول في الفضاء ..و تداول المعرفة..
علي حدود مصر ( جنوب و شرق و غرب ) الكثير من الذئاب التي تريد أن تفترس شعبا مسالما مهموما بالصراع لتوفير لقمة العيش التي اصبحت ضنينة بسبب سوء توزيع الثروة ..و تركيزها في ايادى أنانية غير قادرة علي رؤية الكارثة التي نتجه إليها .
شعب مصر لا يهتم الان إلا بما يدبرة قساة القلوب لرفع قيمة تعريفة الكهرباء و الوقود ..و فرض أتاوات مبتكرة علي الغلابة .. بعد أن غيروا حياتهم و تحكموا فيهم بادوات مثل التليفون المحمول و الإنترنيت .. و القناوات الفضائية .. و القطارات السريعة أو مترو الأنفاق ..والأكل الامريكي و الكومباوندات المترفة ..و المدن المسورة المخصصة لمن يمتلكون أموالا سهلة .
عندما تتحول قيمة الجنية لتصبح قوتها الشرائية توازى مليم نهاية القرن الماضي .. و العشرة جنية توازى القرش .. فلن تهتم أم محمود .. بخبر في الفيس بوك أن قوات من السودان قد إحتلت المثلث القائم بين حدود بلدهم و ليبيا و مصر .. م تحتل هي سكن ابونا .. أو ببيع اراض مميزة علي ضفاف البحرين الأبيض و الاحمر .. أو إحتمال توطين أبناء غزة علي أرضنا .. فهي تردد المثل القائل ((ضربوا الأعور علي عينه قال خسرانة خسرانة )).
الوطنية اليوم عند أغلب المصريين .. أصبحت هي القدرة علي تأمين حياة الشخص و المحيطين به .. فإذا ما وفر هذا إبليس بنفسة .. فهو يستحق الشكر ..و لذلك لا يتوقف النزاع و الصراع و القتل و السرقة و النصب و التهديد .. و تقوم الحكومة ..وبتوع البرلمان بتأجيج الصراع بواسطة قوانين .. مثل التصرف في ممتلكات الدولة ..أو تعديل الإيجارات القديمة و طرد المستأجر بعد سبع سنوات .. أو منع الحديث في السياسة و الدين بالمدارس .. أو التغاضي عن السلفية الدينية المتصارعه مع ليبرالية الساحل الشمالي ..و سيبهم يدعقوا بعض ..و دع جروحهم تتقيح .
بالأمس شاع علي الفيس بوك أخبار لا أعرف مدى صحتها أن أربعين الف من ابناء قوات مصر المسلحة بحتشدون أمام قطاع غزة توقعا لحرب .. لم يحدد أطرافها ..
قرات الخبر و إبتسمت و تجاهلته .. متي سنعرف الأحداث من مصادر موثوق بها .. شفافة .. لا تتلاعب بنا ..و لا تجس نبض الشارع .. باخبار ملفقة ..و لا تقول لنا أن الطلاب اليابانيون .. يمكنهم أن يدرسوا في مصر كما يفعل المصريون في اليابان .. أو أننا نعيش أزهي أيام مصر الحديثة في ظل الديون المتلتلة لان قادتنا أطال الله في عمرهم و زاد عزهم يسكنون قصور لم تذكر مثيلا لها إلا في حواديت الف ليلة و ليلة .
ذئاب العصر الحديث .. لم تعد و اضحة عندما تفترس الناس . بقدر ما هي متخفية في أزياء حديثة مبهرة و كلمات مزوقة .. تستمتع بتعذيب الضحية ومص حيويتها .. وقرقشة عظامها .. و عمل بانية من لحمها الطرى .. و سجق من مصارينها . وشواء بدهونها .. أف الله ينتقم منكم يا بعدا رجعتونا لحواديت زمن البداية .