من اخترع وحشاً في الحقيقة هو الوحش ….بقلم محمد نبيل كبها

عندما اخترع عالم الفيزياء اليهودي “ج. روبرت أوبينهايمر” القنبلة الذرية التي دمرت بها الحكومة الأمريكية مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانية، أصيب بالاكتئاب جراء ذلك، لأنّه كان يعتقد أنّه المسؤول الأول عمّا حدث.
قابل الرئيس الأمريكي حينها أوبينهايمر يشكره على عظيم اختراعه، ولكن أوبينهايمر كان يغزوه القلق أن يكون قد تورط في هذا الهجوم النووي.
كان يريد أن يكون هناك ضوابط لاستخدام وليده النووي؛ بحيث يكون الدافع الأخلاقي حاضر، فالمسألة هنا ليست تكنولوجيا، وإنما متعلقة بحيواتِ الناس، فرد عليه الرئيس الأمريكي قائلاً: “هل تعتقد أنك أنت من قتلهم؟ الذي قتلهم هو الذي أسقط القنبلة عليهم! اليابانيون لن يقولوا أن الذي أبادهم هو أوبينهايمر! بل نحن، الولايات المتحدة الأمريكية”.
خرج أوبنهايمر وقد اعترى ملامح وجهه غضب ممزوج بحزن بعد هذا اللقاء المشؤوم، فراح يدعو لفرض رقابة صارمة على السلاح النووي، بل إنه عارض بشدة إنتاج القنبلة الهيدروجينية، وتخوف من ويلات سباق التسلح النووي بالعالم والخراب الذي قد تحدثه الحروب جراء استخدام القنابل الهيدروجينية.
حيكت المآمرات على أب القنبلة الذرية الذي عارض القنبلة الهيدروجينية من القريب قبل الغريب، وتم عقد محاكمة مزيفة وغير عادلة له جراء تصريحاته، فنسبوا له تخابره مع الاتحاد السوفيتي ظلما وزوراً واتهموه بالعمالة وبالخيانة لإنهاء مسيرته، ولقتل سمعة وشهرة أوبنهايمر مخترع العصر” أب القنبلة الذرية “، وقد نجحوا في ذلك، ولم يقف بجانبه وقتها إلا زوجته فقط.
قبل كل هذا جرى أن اجتمع أوبنهايمر مع آينشتاين لوحدهما في باحة هيئة الطاقة الذرية، وعند انتهاء الّلقاء غادر آينشتاين ومر بجانب رئيس الهيئة ولم يعره انتباها! فظن رئيس الهيئة أن أوبنهايمر قد وشى لآينشتاين بأمر سيء يخصه، فغضب وأخبر مساعده بذلك، فرد بدوره على رئيسه قائلا: “إذا اجتمع العلماء فاعلم أنهم يتحدثون بأمر عظيم وليس عن شخص!”.
وبالفعل، الحوار الذي جرى بينهم كان من أعظم الحوارات على مر التاريخ، فعند لقاء آينشتاين بأوبنهايمر قال له: أنت الآن رجل الّلحظة، وأهم رجل الآن، ومن أهم العلماء والمخترعين عبر التاريخ، والآن بعد أن وصلت لأعلى الهرم كن مستعدا للسقوط!
فقال أوبنهايمر: وكيف ذلك؟!
آينشتاين: كن متأهبّاً لحملة كبيرة من الجميع لاجتياحك، ومحاولة السخرية والاستهزاء منك، وإلقاء التهم عليك، وتدمير سمعتك ونسف شهرتك، وقطع العلاقات معك، وانقلاب الأصحاب والأقارب عليك، ثم سحب صلاحياتك، ثم تجميدك، ومن ثم نفيك إلى قرية صغيرة نائية وبعيدة لتموت وحيداً فيها! وقبل أن تخطفك كف الموت بأيام سيستدعونك من أجل تكريمك ووضع وسام على صدرك.
أوبنهايمر: أتذكر يا آينشتاين عندما أحضرت لك سالفاً ورقت حسابات تخص القنبلة وأخبرتك “أننا سندمر العالم!؟”
آينشتاين: أجل أذكر.
أوبنهايمر: نحن دمرنا العالم! الآن أصبحت أنا الموت، ومحطم العوالم.