قراءة فنية في لوحة ابداعية موسومة ب” لست من هذا العالم..ونصائح الأوّلين عكازتي” للكاتبة روضة بوسليمي…..بقلم محمد المحسن

استوقفتني لوحة ابداعية موشحة بالجمال،والبهاء الفني للكاتبة التونسية المبدعة روضة بوسليمي موسومة ب ” لست من هذا العالم..ونصائح الأوّلين عكازتي”
هذه الكاتبة/ الشاعرة الواعدة لها قدرة على إيصال رسالتها الفنية والإبداعية عبر أقصر زمن،ومن خلال تكثيف جمالي أنيق،ربما يعود هذا الإدهاش الفني إلى قدرتها على صياغة اللحظة الفنية والحياتية بمهارة حيث يتجلى البعد الفني والإبداعي بين ثنايا السطور.
قلت،هذه الكاتبة الطموحة،ومن خلال متابعتي لكتاباتها التي تطل علينا من نافذة الإبداع،أدركت أنها تمتلك سحرا خاصا بها سرديا،من شأنه تحريك نوازعنا الداخلية،بما تملكه من قدرة على دمجِ عددٍ من الفنون الإبداعية في متنها القصير،لتخلق لها كيانه الخاص،فتغوص عميقاً في الواقع،تلتقط منه ما هو عام ومشترك بين البشر وتنبش ما في النفس من خفايا وانكسارات،خاصة إذا كان الواقع مشتبكاً بين-استحقاقات الحياة،واكراهات الواقع..
إنّ قراءة متأنية لهذه اللوحة الإبداعية ( ” لست من هذا العالم..ونصائح الأوّلين عكاز تي”) المشحونة بالتكثيف والترميز،،ومن خلال تفكيك دلالاتها،تضعنا أمام التساؤل التالي: ما مدى قسوة الواقع الذي ترصده؟
من هنا أيضاً تبدو أهميّة العنوان في إثارة الرغبة وفتح عتبة البحث والتنقيب عن جواب لهذا السؤال،الذي سيفتح الباب أمام أسئلة أخرى..تاركا للقارىء الكريم هامشا فسيحا من الوقت،للعثور على الجواب المناسب..
وإليكم هذه اللوحة الإبداعية حاثا إياكم على التفاعل معها فنيا،حين يختمر عشب الكلام..
لست من هذا العالم..ونصائح الأوّلين عكازتي
لست من هذا العالم،ولدت على غير
وفاق معه
أبدو في وضع الغريب الدّائم .
يناوشني كلّ ما حولي ..
لست من هذا العالم !
لا شيء يربطني به،
بأمّ عيني رأيت الأحمق يتولّى النصيحة،والحكيم في شكّ من أمره..!
اتتبّع عقد العالم..عقدة،عقدة .
وقفت عند المظالم..والصّمت المريب..
لست من هذا العالم !
أحاول تجاوز ما بي،لعلّني أكون كما كنت..أميل إلى العزلة..أتجاوز القبح والسّوء كي لا يكبر وجعي فأسقط ثانية .( فتتدحرج أحلامي أمامي)
لست من هذا العالم !
لا أعرف أين أذهب ؟
لا أعرف أين أنا ؟
هل يمكن أن أكون في القاع ؟!
لست من هذا العالم !
جربت البقاء وحيدة
بلا أسرة ، بلا رفقة ، بلا صحبة
فقط انا ونفسي
أسلك كم طريقا وحدي بلا بوصلة ،
أرتّب قولي : هذا من نصيب الجميع
وذاك أسرّ به إلى نفسي وثالث لن أخبر
به أحدا .
لست من هذا العالم !
أنا روح امتهنت القلق ، تحسب بعض النّوم فخّا .
وحده الصّمت لا يخون .
إن مرّ العمر أنتظر الصّعب يمرّ ،
أحترق طويلا …
فأنضج كما يجب ،
أتخيّر أشيائي الصّغيرة ، أجعلها خاصّتي ..
لست من هذا العالم !
صادم حين تدرك أنّك تعاملت طويلا مع الأشباه ،
أشباه الأحبّة
أشباه الحقيقة…
يشفق التّاريج عمّن جرفتهم الدّهشة … فيعيد نفسه .
سادتي …
قد أبدو للعالم قويّة ، لا يغرّنّكم ذلك ، فأنا في الحقيقة هشّة جدّا
أنا لست على ما يرام ..
لطالما أوصيت أحلامي بالصّمود
لعلّها تبقى على قيد الحياة .
لست من هذا العالم !
يختلط كلّ الأمر في ذهني ،
يحيط بي كسل ونعاس وهدوء .
أفكّر في هدنة طويلة ،
تؤرقني فكرة الرّحيل .
أغامر من جديد
و نصائح الأوّلين عكازتي
أغامر ثانية
رغم الضّيق الذي أحرج صدري .
لست من هذا العالم !
أغامر تباعا وكلّي أدب في حضرة الجرح .
روضة بوسليمي
إنّ الخاطرة الشعرية توغل شفيف فى مسارات الذات الخبيئة،أو هي مونولوج رائق يماثل التتابع النغمي في درجاته الرهيفة،ومن هنا،فإن للغة أهميتها القصوى في ملء كل هذه المسارات والدروب بألوان الانتباه الناعم الذي يحدثه الإبداع التأملي الجاد.
وعندما يكون موضوع الخاطرة،من الخطورة بحيث ترتجف النفس لمجرد قراءة عنوان النص (لست من هذا العالم..ونصائح الأوّلين عكازتي” )، فلابد أن يساير المتن هذا الاهتزاز الوجداني ويعضده تأكيدًا ودعمًا لإحداث الأثر الكلي من جماليات الدهشة والتلقي الفائق.
تأملت هذه اللوحة كثيـرا،وفي كل مرة كانت تشدني اليها أكثر وتدفعني الحيرة للتأمل في مضمونها ومساحات الصمت والتجريد فيها.
ولكن..
قد تحمل اللوحة معان كثيرة،وكل واحد منا قد يرى شيئا مختلفا عن الآخر-هذا ما يعطي الفن سموا وقوة في الحضور-
وكما يقال في علم النفس،إن تأويلاتنا للمعاني هي مجرد انعكاس لافكارنا واسقاط لما يشغل بالنا على الاشياء من حولنا..
في هذا السياق،يبدو لي المشهد الإبداعي للكاتبة والشاعرة التونسية المتميزة روضة بوسليمي حافلا بما هو مدهش وجميل،وهذه اللوحة الإبداعية التي رسمتها بمداد الروح،تلج القلب والوجدان-دون استئذان-من خلال إنسانية الموضوع،والتصاقه الحميم بما يمور في وجدانها من انفعالات ترجمتها في شكل لغة شفافة،لغة أقرب إلى الرسم،فكل لفظة في معمارها،لها مكانها الخاص ودورها الذي تؤديه وكأنها شخصيات مسرحية تحمل في طياتها الكثير من الأحاسيس،وتسعى إلى مخاطبة قلب وعقل القارئ في قالب جمالي فريد،وعبر إدهاش جمالي متميز.
وتمنياتنا لها بالتوفيق والسداد بالقادم من أعمال.