أيهـا الغياب بقـلم المبدعة/سهام الشرعبي اليمن

كان غيابُك شبيهًا بحزنِ يعقوب،
بل كان نسختَه الثانية، إذا لم تكن الأصلية.
لم تكنْ ببراءةِ الذئبِ من دم يوسف،
بل كنتَ بحقدٍ وخيانةِ إخوته.
تبعتُك دونَ إذن،
حين رأيتُ قلبك والكبدَ لي ساجدين.
وكان أبي –المتصف بالعقل–
يقول: لا تعتمدْ هذا،
فالعشقُ يكيدُ للمحبوبِ كيدًا.
رميتَ قلبي في جبِّ الخيانة،
وألقيتَ تهمتَك على أكتاف القدر.
ولكن… لم تأتِ سيارة،
ولم يأذنْ مؤذّنٌ أيتها العير!
هذا قلبٌ مبتور،
وبشرٌ صار كظلٍّ لا صوتَ له يُسمع،
ولا صورةَ له تُرى.
لم يُعتقني أحدٌ من جبِّ حبي لك،
لا بثمنٍ بخسٍ، ولا بأدنى من ذلك،
بل بقيتُ سجينًا
في جبٍّ أسميتُه: الأسطورة.
أنا هنا، وبقلبي حزنُ يعقوب…
لم أفقدِ الرؤية لطول حزني،
لكن حواسي كلَّها
أصبحت مهجورة.
أشمُّ فقط رائحةً تسللت
من صفاتِك القبيحة اللعينة،
إن لم تُفندْ روحي،
فإنني أشمُّ فيك
رائحةَ الخيانة.
كنتُ أراك بروح جمال يوسف،
وكان لي قلبٌ متيّمٌ بشغف
زوجةِ العزيز.
بُليتُ بعشقٍ زائف،
كتهمةِ يوسف بافتراء زليخا،
فشهد شاهدٌ من روحي:
إن كان شعرك قد امتزج ببياض الغربة
فصدّقتُ وأنا من الكاذبين.
وإن كان قد اعترى خدّي النمش،
فصدّقتَ وأنت من الكاذبين.
أنا هنا أخضع لنقدِ روحي،
وعتابِ أسئلتي
عقدتُ اجتماعًا،
وأهديتُ روحي وأسئلتي لكلٍّ منهن سكينًا.
فتحتُ مذكّراتي،
وكلُّ كلامِك المعسول قطع مشاعرهن،
وقلن: حاشا لله، ما هذا حديثٌ يُقال؟
ما هذا إلا سحرٌ مبين!
لا قميصَ لك، ولا كلمةً لينة
ترمي بها انكساري،
كما فعل البشيرُ ليُرتدَّ يعقوبُ بصيرًا،
فأعودَ سويًّا أنا،
بالصوت والصورة.
أجدبتْ روحي… تبًّا لك!
أصاب القحطُ مفرداتي،
وسمانُ شبابي ألبستَها
سنينًا عجافًا من حقدِك وتغابيك.
كان ذنبي فادحًا…
آمنتُك كما آمن يعقوبُ أبناءه،
وأنا أشمُّ رائحةَ الغدر
تطرق مزلاج بابي.
لن أبرحَ الجبَّ حتى يأتي القدر
بمعجزةٍ
تنتشلُ من كبد السجن
هذا الانتساب.
أتيتَني… نعم!
أتيتَ لتسلبَ روحي مرةً ثانية،
كما فعل أخوةُ يوسف بأخيهم.
لكنني كنتُ قد أصبحتُ
عزيزةَ قلبي.
فاعترفتَ بالخيانة أخيرًا،
فعفوتُ عنك.
فقد مات حبُّك،
وحُكم عليك بالصلب
في محراب الخيانة.
لا تثريبَ عليك اليوم…
فاذهبْ أنت وقلبُك،
فأنتما من الطَّلَقاء.
✍️ سهام الشرعبي