التناص في النص الأدبي للناقدة الدكتورة مرشدة جاويش(من كتاب أنقاض المعنى)

#التَّناص #في #النَّصّ #الأَدبيّ #بين #الحضور #الغائب #والانفتاح #التّأويليّ
يُعدّ التّناص من أبرز المفاهيم النقديَّة التي سادت الدراسات الأدبيّة الحداثيّة
وإلى جانب كونه تقنية أسلوبيَّة فهو آليّة معرفيّة تعيد تشكيل النص في ضوء علاقاته النصيّة المتعدّدة
فالنص وفق منظور التّناص لا ينتج معناه في فراغ
بل يتكوّن ضمن شبكة من الإحالات والرؤى والمعارف التي تشارك في صياغته وتحديد إمكانياته التأويليّة
فالتّناص في جوهره هو تداخل النصوص فيما بينها
سواء كان ذلك عبر الاستدعاء المباشر أو الإيحاء المبطّن سواء بتوظيف نصوص دينيّة أوأسطوريّة أوفلسفيّة
أو شعريّة أو عبر إشارات ثقافيّة تعزّز من عمق النص وانفتاحه التأويلي
وقد أسّست الباحثة الفرنسيّة (جوليا كريستيفا) لهذا المفهوم حين قرأت نصوص (باختين) على ضوء الحواريّة مؤكدة أن: (كل نص هو امتصاص لنصوص أخرى وتحويل لها)
ولذلك فالنص الأدبي لا يكون بريئاً ولا مكتفياً بذاته
بل هو دوماً نص في حوار مستمر مع سواه يستضمره يفكّكه يعيد بناءه أو يحاوره صمتاً أو سخرية حتى
وهنا تتجلّى جماليّة التّناص في كونه حضوراً غائباً يضفي على النص دلالات مضاعفة ويمنح القارئ أكثر من مفتاح تأويلي لاقتحام عوالم النص
كما يشكّل التناص نوعاً من التفاعل الثقافي يمنح النص بعداً تراكمياً في المعنى ويظهر انتماءه إلى تاريخ من الكتابة والمعرفة والذاكرة الجمعيّة
فالنصوص إذ تتداخل لا تكرّر ذاتها لأنها تعيد تأويل ما سبق وتنتج فروقات دلاليّة تغني النص وتعمّق وعي القارئ به
ومن أبرز أنواع التّناصّ:
التّناص المباشر: وهو الذي يظهر في الاقتباس أو التوظيف النصي الظاهر
التّناصّ الضمني: حيث تتشكّل الإحالة بشكل غير صريح من خلال التلميح أو إعادة بناء العبارة أو الصورة أو الإيقاع
التّناص التراثي: عبر استحضار نصوص دينيّة أو شعبيّة أو أسطوريّة تغذّي النص بطاقة رمزيّة خاصّة
التّناصّ الذاتي: حين يحاور الكاتب نصوصه السابقة أو يعيد بناء تجربته ضمن وعي نقدي لاحق
إن التّناص بعيداً عن كونه توظيف أو دعم للنص فهو استراتيجيّة إنتاجيّة تعيد تعريف فعل الكتابة وتجعل من النص الأدبي كياناً مفتوحاً يتجاوز حدود الزمان والمكان والثقافة
مقيماً في الوقت ذاته داخل تاريخ الكتابة وفي فهم القارئ المعاصر
إننا حين نقرأ نصاً نصغي إلى أصوات متعدّدة تتسرّب من بين السطور
فكل نص في جوهره هو ارتداد لنصوص سابقة ومرآة لتحوّلات المعنى
وهنا تتجلّى أهميّة التّناص باعتباره فعلاً خلاقاً وكونه قوّة تحويليّة بعيدة عن التلميع الجماليّ
وبذلك فإن التّناص يُعدّ من أبرز أدوات النص الحداثي وأحد مفاتيح فهمه العميقة
لأنه يحوّل القراءة إلى فعل تأمّل في الوجود والثقافة والذاكرة
#مرشدة #جاويش
فقرة من كتابي النقدي:
#أنقاض #المعنى