الخامري_ذكرى_الوفاة_تذكر_الميلاد.. د.شكيب الخامري.أ.سعد الحيمي

د. شكيب الخامري
سعد الحيمي
تموت الأسد في الغابات جوعا ولحم الضان تأكله الكلاب
أظن أن بيت الشافعي هذا هو من أصدق بيوت الشعر التي صورت عزة النفس و تعففها ، فالأسد تموت من شدة الجوع ولا تأكل الجيف أو تتلطخ بعفونتها ، كما يموت الإنسان الحر مرفوع الرأس ولا يطأطئ هامته أو يهدر كرامته او يأكل السحت على حساب مبادئه وإباء شيمه .
ويقول حكيم اليمن ومبصرها الرائي الكبير /عبدالله البردوني إن المبدئيين هم أكثر تغييبا وظلما ونسيانا في هذه البلاد .
وختاما لهذه المقدمة فإن من يقرأ هذه الأيام للأستاذ / عبدالباري طاهر أو لغيره من الكتاب الذين يتناولون الأعلام الوطنية المقصين من إعلام السلطات بسبب استقلاليتهم ووطنيتهم وعدم تماهيهم معها أو تطبيلهم لها ، سيذهله عدد الرموز اليمنية التي خدمت البلاد ونفعت العباد في شتى المجالات ومختلف العلوم ، لكنهم مغيبون الذكر؟ في الإعلام الرسمي كأن أمهاتهم لم تلدهم ، والسبب أنه لا وجود لإعلام رسمي حقيقي في بلادنا ، وحتى مراكز التوثيق والدراسات الحكومية كلها تخضع لمزاج الحكام وتسلطهم ورغباتهم الديمقراطية حسب ادعاءاتهم .
و( شكيبنا ) واحد من هؤلاء الرموز الذين تبخرت حياتهم بالعطاء ، وتكثف سعيهم بالنفع ، وهطلت أمزانهم بالفائدة .
تذكر الميلاد :
وقبل الولوج إلى ذكرى الوفاة المرتبطة بشهادة الأحوال المدنية ، علينا تذكر الميلاد الذي دام أعواما من التزود والوهب .
فحياة الأبرار هي ميلاد دائم من مكارم الأخلاق والسخاء الروحي ، وعن رحلة تزوده فقد بدأت بتزود الهواء النقي في مسقط رأسه بـ قرية ( الشرف ) عزلة ( الأخمور ) التابعة لمديرية ( المواسط ) من محافظة ( تعز ) في العام 1948 م
ليصبح لليمن مواطن سيكون من خيرة أبنائها وأنجب أفذاذها وهو :
الدكتور / شكيب محمد عبدالعزيز الخامري
وإذا كانت التقوى هي خير الزاد فإن العلم هو بوابتها التي سخّرَ الطفلُ شكيب رحلة حياته صوبها فطرق مصاريع أبوابها بدءا بـ ( الكتّاب ) في قريته حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة فيها ، ولأن مستوى التعليم ضئيلا في شمال الوطن قبل الثورة ومنهج الكتاتيب محدودا على التهجي وكيفية دخول الحمام ، فلم يرو للطالب ( شكيب ) ظمأ ولم يشبع له أرب ، فطموحه أكبر من كتّاب وأوسع من قرية .
ولتحقيق هذا الطموح فلن تلبيه إلا ( منارة عدن ) الشامخة جوار جبل شمسان ولن تشبع النهم للعلم الذي يتنامى في صدره إلا المدينة التي تشع بالنور ومن ثغرها الباسم نهل أفذاذ اليمن وتحت رموشها سكن الأحرار ، فعدن هي مركز الضوء ومدينة الحب وقلعة السلام ، وعدن هي الهاجس للانعتاق من براثن الظلام ومخالب الجهل ، ومع تكرار هذا الهاجس في خواطر الصبي ( شكيب )
قبل أن يترجم الشاعر أحمد الجابري تلك المشاعر ويرتب كلماتها في بيت شعر بديع ينطق بلسان كل شغوف بالسفر إلى عدن
بدأ يردد في نفسه – مثل معظم الناس من الطامحين لتغيير أحوالهم في مختلف مناحي الحياة – حلم السفر إلى عدن
عدن عدن ياريت عدن مسير يوم
شسير به ليلة ما شــــرقــد النوم
ففارق النوم وتحمل عناء السفر وتكبد مشاق الطريق برفقة والده / محمد عبدالعزيز الخامري ، الذي كان يعمل في عدن مدرسا بثانوية بازرعة ، وفي عدن التي تتدفق صهاريجها بأعذب المياه ، بدأ ينهل العلم في مدارسها المتنوعة بدءا بالابتدائية ومرورا بأشهر معاهدها التاريخية – معهد البيحاني – حيث تتلمذ على يدي الشيخ محمد سالم البيحاني لمدة أربع سنوات من عام 1964م إلى عام 1968م ، ثم أكمل دراسته في معهد عدن التجاري (مدراسي عدن) حتى عام 1969م، حيث حصل على الثانوية العامة البريطانية (G.C.E)
ولشدة نبوغه وذكائه كان يقوم بالتدريس بدلا عن والده عندما كان يسافر للقرية ، ليرتسم خط توجهه ويرث من أبيه فضيلة التعلم وفضائل التعليم ، وفي هذا السبيل لم يتوقف طموح الشاب شكيب عند هذا الحد ولم يكتف بهذه الحصيلة ، بل ثابرمن أجل التحصيل العلمي واجتهد في نيل مراتبه العليا
فحصل على شهادة البكالوريوس في الجغرافيا بمرتبة الشرف من جامعة بنغازي في ليبيا عام 1974م، ثم حصل على درجة الماجستير من جامعة وسترن ميتشغان بالولايات المتحدة عام 1979م، ودرجة الدكتوراة في جغرافية المدن والتخطيط الإقليمي من جامعة كنتاكي بالولايات المتحدة عام 1992م.
ونتيجة لهذا الطموح والنضال العلمي والجدارة العلمية فقد تكللت جهوده بتولي مناصب أكاديمية وإدارية رفيعة منها :
مديرا عاما لكلية الآداب – جامعة صنعاء (1975–1980).
أستاذ الجغرافيا ورئيس قسم الجغرافيا بجامعة صنعاء.
رئيس الجامعة الوطنية (1999–2012م).
رئيس الجمعية الجغرافية اليمنية .
#الولوج_إلى_الذكرى
يظل الإنسان هو القيمة المثلى والفضيلة التي تمشي على قدمين ، ويظل الأثر الطيب هو الشاهد الذي يتضوع بأريج المناقب وشذا المحاسن وعبير الفعل ، فيموت الجسد وتبقى الروح محلقة في سماء الذكرى كقبرة لا تنقطع زغردتها
وهذا هو الإنسان الدكتور / شكيب محمد عبدالعزيز الخامري ، الذي اتخذ من العلم سبيلا للسير ومن محبة الناس دربا لفعل الخير، فزهد عن زبرقة الدنيا ومناصبها السياسية رغم إغرائها له ومغرياتها من حوله ، مكتفيا بحب الناس له وبعلاقته المتوازنة مع الجميع فلم يتحزب ولا تلوثه أدران السياسة ولا مارس العنصرية ولم يعترف بالمناطقية ، قضى حياته ينهل من سواقي العلم وروافده ليغدو نهرا يغرف الطلاب من جريانه وتستفيد الأجيال من عذوبته ، ولأن العلم هو صميم اهتماماته والمعروف إحدى خصاله ، فلم ينس تلك القرية التي بدأ التهجي فيها وحرمانها من التعليم الحديث فأسس أول مدرسة فيها وزودها بأول مشروع للمياه لازال يروي أهل قريته إلى اليوم ، وعلى مستوى الوطن كان داعما وفاعلا للتضامن الاجتماعي والمشاريع الخيرية واسهم بشكل كبير في توزيع المساعدات للبسطاء
ولم يقتصر عطاؤه العلمي على الشأن اليمني فقد كانت قضية العرب الأولى تشغل حيزا كبيرا من همه القومي وتخليدا لرسالته العلمية وتميزه ببعد النظر كمتخصص جغرافي ، فقد كان من أبرز الداعين لتدريس مادة الجغرافيا الفلسطينية في الجامعات اليمنية والعربية لترسيخ ذلك المفهوم وتثبيت تلك المعرفة في وعي العرب والنشء المتعاقب ، فحظي باحترام وتقدير من المؤسسات والجامعات الأكاديمية الفلسطينية وعلى رأسها جامعة النجاح الوطنية بنابلس التي كرمته في عام 2003م
إضافة إلى تأسيسه المسجد والمركز الإسلامي في ولاية كنتاكي عام 1981م
وهذا قطر من فيض عن سيرة لن يفيها إلا كتاب مكتمل الأركان ، وفي الختام لا يفوتنا التنويه لمؤلفاته الجليلة ودراساته القيمة وهي :
“المهاجرون اليمنيون في الولايات المتحدة الأمريكية: دراسة
حالة مدينة ديترويت، مشيجان” (رسالة الماجستير).
“التفضيلات السكنية في مدينة صنعاء: دراسة تحليلية” (رسالة الدكتوراة).
World Geography (1991) مع جامعة كنتاكي.
جغرافية اليمن للمرحلة الثانوية (1977).
لينام في مثل هذا التاريخ مطمئن النفس راضيا مرضيا في مدينة عدن ، يوم 28 / 8 / 2023م
تاركا خلفه من التواضع ودماثة الأخلاق ومحبة الناس وغزارة العطاء وعفة النفس ونزاهة الضمير التي جعلته يغادر الدنيا دون أن يبني له فلة أو يمتلك فيها سكنا ، مما يجعل اسمه ينقش في القلوب وسيرته تحفر في الأسانيد وذكراه تفوح بالمسك .
فرحمة الله تغشاه
#الخامري_ذكرى_الوفاة_تذكر_الميلاد