لم أعد من الأمس…بقلم هناء داوودي

لم أعد من الأمس…
تركت ظلي هناك
يمشي بين الأزقة المبللة
يحادث النوافذ المكسورة
ويرسم على الضباب وجوها لم أعد أذكرها
الأمس يقطر من أصابعي
كحبر لا يريد أن يجف
والغد يتدلى من سقف الانتظار
كفانوس يتأرجح بين ريح وريح
يضيء حين أبتسم
ويخبو حين يذكرني الليل باسمي
في جيبي
بذور أحلام لم أزرعها
وأجنحة عصافير حوصرت في دفاتر
ورسائل كتبتها لمدن
لم تعرفني يوما
كل غد أراه
منقسما إلى نصفين
نصفه طفل يمد لي زهرة خجولة
ونصفه ليل يتقلد خنجرا من برق
أعرف أن الجنون سيعود
سيطرق الباب ذات ليلة
وسيحمل كأسا من عاصفة
يصبها في وريدي
فأركض خلف ظل يركض خلفي
وأعيد ترتيب الأزمنة
كما تعيد الغريبة ترتيب خرائطها في المنفى.
لكن حين وصل
لم يطرق الباب…
وجدني على العتبة
أنتظره منذ سنين
وفي يدي باقة زهور ذابلة
أعددتها لأعتذر له
لأنني تركته ينتظر… في قلبي
عندها فهمت الحقيقة
الأمس لم يكن أمسا
ولا الغد غدا
كنت أعيش داخل ساعة متوقفة
تحمل عقاربها وجهي
وقبل أن أستوعب ذلك
شعرت بلمسة على كتفي
التفت سريعا…
لم أجد أحدا
لم يكن هناك سواي
واقفة في المكان نفسه
أقول الجملة نفسها:
لم أعد من الأمس بعد…
فكل غد مؤجل…
حتى جنون آخر.