كتاب وشعراء

شرفة للنجاة …..بقلم زكريا شيخ احمد

أحياناً لا بل دائماً لا يكون الموت بعيداً… بل نصف ثانية فقط بين شيء ما و بين النبض.
*****
نجوتُ…
لكن قلبي ما زال يمشي حافياً
على حافة الزجاج.
نجوتُ مرتين،
لكن كل نجاةٍ تترك وراءها
ظلّاً أطول من جسدي.
أمدّ يدي إلى الهواء
كمن يتحقق من وجوده،
ألمس صدري،
كأنني أتحقق أن الشهيق لم يهرب بعد.
الحديدُ الذي تقطّع حولي
ما زال يرنُّ في أذني
كأجراس كنيسةٍ بعيدة.
الزجاجُ الذي تناثر
ما زال يلمع في جفوني
كذكرياتٍ صغيرة عن الضوء.
نجوتُ…
فصارت خطواتي أبطأ،
و صرتُ أرى في كلّ حجرٍ
ذاكرةَ جدارٍ انهار
و في كلّ شجرة
ذاكرةَ ظلٍّ نجى من النار.
أتنفّس
و أقول للأرض: شكراً
لأنكِ لم تسحبيني في تلك اللحظة
و أقول للغياب: شكراً
لأنك تركت لي شرفة صغيرة من الوقت.
في هذه الشرفة …
أجلس مع قلبي، أستمع لصوت الصمت
نعدّ الضحكات الصغيرة
و نشم رائحة الهواء الذي بقي بعد العاصفة
كمن نجى للتوّ و اكتشف
أن النجاة ليست فقط البقاء،
بل أن ترى الأشياء كما هي،
كاملة، حتى وسط الخراب.
النجاة لا تأتي كي تبقيك كما كنت،
النجاة تأتي كي تضيف إلى قلبك
غرفةً جديدة من الصمت
و حساسيةً أعلى للهواء.
تجعلك ترى كلّ إنسان
كأنه آخر من تبقّى على الكوكب.
نجوتُ مرتين،
لكنّ الموتَ ترك توقيعه
على أطراف أصابعي.
علّمني أن كلّ ثانيةٍ
حافةٌ بين غيابٍ و حياة،
أن كلّ نَفَسٍ
نافذةٌ تُفتَحُ على حديقةٍ لا تُرى.
أنا الآن في تلك الحديقة
أجلس مع ظلّي،
نعدّ الخسارات بهدوء
و نضحك بلا سبب كأننا فهمنا أخيراً
أن الحياة ليست وعداً و لكن فرصة صغيرة
للابتسام وسط الركام.
كلُّ هذا انتهى… و بقي في صدري شهيقٌ واحدٌ يكفي كي أبدأ من جديد .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى