تقارير وتحقيقات

نيويورك تايمز:اغتيال تشارلي كيرك: لحظة فاصلة في مسار المسيحية السياسية الأميركية

اغتيال الناشط اليميني الشاب تشارلي كيرك، مؤسس منظمة Turning Point USA، لم يُقرأ داخل الأوساط المحافظة الأميركية باعتباره مأساة فقط، بل كفرصة سياسية وتاريخية. فمع تشييعه بجنازة رافقت نعشه فيها نائبة الرئيس على متن طائرة “إير فورس تو”، ومع الوقفات الشعبية التي نُظمت في مختلف الولايات، ارتسمت ملامح سردية جديدة: كيرك لم يمت، بل تحوّل إلى “شهيد” يمكن أن يلهم جيلاً كاملاً من المحافظين المسيحيين.
الخطاب الذي رافق تأبينه حمل دلالات أبعد من مجرد الحزن. القس لوك بارنيت قال بوضوح: “لقد حان وقت الشباب للنهوض… يمكنني أن أرى عشرة آلاف تشارلي كيرك ينهضون في الجامعات الأميركية”. هذا الخطاب يعبّر عن تحويل الاغتيال إلى طاقة تعبئة جماعية، حيث يصبح “دم الشهيد” وقوداً لإحياء المشروع السياسي والديني الذي كان كيرك يسعى لترسيخه: ربط الهوية الأميركية بالإيمان المسيحي المحافظ.
بعد أقل من 48 ساعة على اغتياله، أعلنت منظمة Turning Point أنها تلقت أكثر من 32 ألف طلب لتأسيس فروع جديدة، ليرتفع عددها إلى أكثر من 3500 فرع في المدارس والجامعات. هذا يشير إلى أن الاغتيال كان بالفعل شرارة لتوسيع القاعدة التنظيمية، وتحويل المنظمة إلى ما يشبه حركة اجتماعية شبابية مسيحية – يمينية قادرة على الحضور في قلب المؤسسات التعليمية.
ذهب بعض أنصاره إلى مقارنته بـ سقراط أو مارتن لوثر كينغ الابن، رغم أن كيرك نفسه هاجم كينغ وقانون الحقوق المدنية. هذه المقارنات ليست بريئة؛ فهي تسعى إلى إضفاء شرعية تاريخية وأخلاقية على العنف السياسي باعتباره جزءاً من “المعركة المقدسة” التي يخوضها المحافظون. وهنا يظهر الوجه الأخطر: توظيف الدين لتبرير مشروع سياسي إقصائي.
اغتيال كيرك يأتي في سياق أوسع: صعود اليمين المسيحي الإنجيلي كقوة مهيمنة داخل الحزب الجمهوري. فقد كان من أبرز من ربطوا بين خطاب ترامب الشعبوي والقيم الإنجيلية، وجذب آلاف الشباب، خصوصاً الذكور، إلى معسكر اليمين. موته قد يتحول إلى نقطة ارتكاز لتوسيع هذا التحالف، عبر خطاب “المظلومية المسيحية” واعتبار أن المحافظين يتعرضون لهجوم من “اليسار الشيطاني”.
تحويل كيرك إلى “شهيد ديني” يعني أن أفكاره — حول النوع الاجتماعي، والعرق، والسلاح — لن تبقى مجرد جدل سياسي، بل ستُصاغ في قالب ديني – نضالي. هذا يهدد بتحويل الصراع السياسي الأميركي إلى حرب ثقافية – دينية مفتوحة، حيث يرى كل طرف نفسه ممثلاً لـ “الخير” والآخر ممثلاً لـ “الشر”.
مقتل تشارلي كيرك قد لا يكون مجرد جريمة اغتيال سياسي، بل منعطف في مسار المسيحية السياسية في أميركا. فهو يوفر للمحافظين ما يحتاجونه منذ سنوات: رمز حديث، شاب، و”شهيد” يمكن استثماره في تعبئة الأجيال الجديدة. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيكون إرث كيرك دافعاً نحو مزيد من الديمقراطية الدينية المحافظة، أم أنه سيكون خطوة إضافية نحو أميركا أكثر انقساماً وأقل ديمقراطية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى