كتاب وشعراء

الهواء مثقوباً …..بقلم نعمان رزوق

كان الهواء مثقوباً حين وُلِدْتُ ..
و الأرض كانت
بلا حضن مُهيّأٍ لاحتضان سقوطي ،
فكبرتُ .. في الطرقات الضيقة
كضلوعٍ خائفة
تلك التي تمتد بي خطوةً
ثم تسدّ عليّ الأفق ،
و أمضيت العمر ..
أفتّش عن نافذةٍ
لا تصرخ منها الريح
و عن بيتٍ لا يعلّق على جدرانه صور الموتى .
خمسون عاماً ..
و كل ربيعٍ يأتي بزهرةٍ مقروفة الرقبة ،
و كل نهرٍ يخبئ تحت موجه قارباً غرقاناً ،
و كل مدينةٍ تعلّق صوتها على مشجبٍ مبحوح ..
كأنها تتدرّب على الصمت .
أيّ حياة هذه ؟
مسرحٌ طويلٌ ..
جمهوره غائب عن الوعي
و أبطاله مكدّسون في الكواليس كدمى بين أصابع حزام ناسف ،
أما نحن ..
فقد وُضعنا بين المقاعد
كي نضحك بالنيابة عنهم ..
ضحكةً مشقوقة
كعكّازٍ ينكسر في منتصف الطريق .
خمسون عاماً ..
و الأجنحة التي تمنّيتُها تحولت إلى قُطب في القلب ،
و البحر الذي ظننته للوصول
أدار لي ظهره ..
ثم موجه الذي يسخر بي
كلما فَرَش لي سريراً من الملح .
خمسون عاماً ..
خمسووووون عاماً ،
و لا شمعةً انطفأت بسلام ،
فكل انطفاء كان عاصفة
و كل عاصفة كانت احتفالاً كامل الأوصاف ..
بالعمر المبتور .
أسألني أحياناً حين أكون معي
أو جواري ..
أو في القصيدة ،
من الذي رسم للزمن خارطته العرجاء ؟
من الذي ألقى بنا في هذا الدرس الأزليّ ..
نُردد فيه حروف الخوف
كطلابٍ متأخرين ،
لا يملكون من غدهم سوى الماضي
و ما بينهما من خراب .
خمسون عاماً ..
و لا أملك سوى قصيدة ذابلة ،
و صورةٍ بلا ملامح لأمي ،
و ابتسامةٍ صدّقَتْها الحياةُ لحظةً ..
قبل أن تمزقها فوق وجهي
بقيةَ العمر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى