د.فيروزالولي تكتب :مليار ومليار… أين الفلوس يا جدعان؟

في خبر عاجل حارق مثل أسعار السلع في تعز وعدن، أعلنت الحكومة اليمنية عن “بالغ شكرها وتقديرها” للمملكة العربية السعودية على دعمها السخي الجديد بمبلغ مليار وثلاثمائة وثمانين مليوناً ومائتين وخمسين ألف ريال سعودي.
طبعاً، كالعادة، البيان كان مرصّعاً بالكلمات: “أخوي”، “نبيل”، “دعم كريم”، “مسيرة العطاء”، “روابط متينة”… إلخ. لكننا كشعب لم نعد نأكل البيانات، ولا نشرب من بيانات الشكر، ولا ندفع إيجارنا بـ”المواقف الأخوية النبيلة”.
لحظة، لا تفرحوا كثيراً! لا أحد سيستلم المليار في كيس نايلون. كالعادة، السفير محمد آل جابر، المعتمد الدائم لتسليم المساعدات إلى “الثانية” و”البنك المركزي”، سيقوم بمراسم التبخير، عفواً، “التسليم”.
ثم تبدأ رحلة الفلوس عبر دهاليز “الشرعية”، تتبخر كأنها دخان الشيشة في فنادق الرياض، أو كموازنات الوزارات الوهمية التي لا تقدم ولا تؤخر.
كل شيء تمام، فقط عندنا سؤال صغير جداً بحجم الأزمة الإنسانية:
أين ذهبت المليارات السابقة؟
نذكر فقط على سبيل التسلية لا أكثر:
دعم سعودي سابق بـ2 مليار دولار للبنك المركزي (وين؟ الله أعلم).
مساعدات نفطية مجانية أُهديت ثم بيعت في السوق السوداء، يعني شالوا الطُرمة وراحوا يبيعوا الزيت!
دعم إنساني وإغاثي وزراعي وطبي… لكنه غالباً يمر عبر نفس القنوات: سفير، حكومة منفية، ثم “هاشتاجات الشكر”.
فرقة حسب الله تستلم الدعم
الحقيقة أن ما يجري أقرب إلى عرض موسيقي عبثي. كلما اشتدت الأزمة، تدخل المملكة بدفعة دعم جديدة، فتجتمع “فرقة حسب الله” الحكومية، تعزف نشيد الشكر والتقدير، ثم تعود لمقاعدها، تاركة الشعب يغلي كما هو.
نحن أمام حكومة يشبه أداؤها ماكينة صرف آلي “مفصولة عن الشبكة”، لا تصرف ولا تتصل ولا تستجيب، لكنها تتقن إصدار البيانات الصحفية!
ولأن الكوميديا السوداء لا تنتهي، يتم توجيه الدعم إلى البنك المركزي اليمني… البنك الذي فقد قدرته حتى على طباعة مبررات جديدة لفشله، ناهيك عن طباعة عملة جديدة.
يا معالي السفير… الفلوس راحت فين؟
سيادة السفير محمد آل جابر، ، لو تكرمت:
بعد كل هذه السنوات من الدعم، والتقارير، والبرامج، والصور التذكارية أمام الشيكات الكبيرة، هل لديكم تقرير واحد يوضح أثر هذا الدعم على الشعب اليمني؟
هل تحسّن دخل الفرد؟
هل توفرت الكهرباء؟
هل اختفى طابور الغاز؟
أم أن كل ما تغير هو عدد التغريدات التي تصدر من حساب البرنامج السعودي لإعمار اليمن؟
فلوس تتبخر وشعب يتبهدل
في اليمن، أصبحت المساعدات تشبه الظواهر الخارقة للطبيعة:
نسمع عنها كثيراً، لكن لا نراها أبداً.
وكما قال أحد الظرفاء:
“الدعم السعودي مثل الكهرباء… يمر عبر الأسلاك، بس ما يوصل للبيت!”
ومع ذلك، سنجد في كل مرة مسؤولاً يقول لنا بوجه جاد جداً:
“الدعم السعودي أنقذ الاقتصاد اليمني”…
وهو يقول ذلك من شرفة جناحه الفندقي الفاخر في الرياض، بينما يشرب قهوة تركية سعرها يعادل راتب موظف حكومي لمدة شهرين.
في الختام
نعم، نشكر السعودية على دعمها، فهذه الحقيقة لا ينكرها أحد.
لكن، إن لم يُشرف الشعب اليمني على إدارة الدعم، وإن لم يُربط بأي مؤشرات شفافة وأهداف ملموسة، فسنظل نعيش في حلقة مفرغة من الشكر والتبخير، والدعم والتبخر.
وإلى حين وصول فلس واحد من هذه المليارات إلى يد المواطن اليمني، نوصي بأن يكون اسم البرنامج: “البرنامج السعودي لإعمار حسابات الفاسدين”.