في الحياة القادمة……بقلم نعمان رزوق

في الحياة القادمة سأكون ديكتاتوراً ..
لكنني سأحكمُ بالضحك ،
أفرضُ على الناس أن يخرجوا إلى الشوارع عُزّلاً من الخوف
أوزّعُ عليهم الأجنحةَ بدلاً من بطاقاتِ الهوية
و أجعلُ السجونَ حدائقَ فيها مقاعدُ للقراءةِ فقط .
سأطلبُ من الجنود أن يعلّقوا بنادقَهم على جدارِ المتحف ..
ثم يتعلّموا كيفَ يزرعون الوردَ في أفواهِ المدافع ،
سأصدرُ مرسوماً بأن تُحاكمَ الكراهيةُ علناً
و أن تُنفى الأكاذيبُ إلى منفىً بلا عودة .
في الحياة القادمة سأكون ديكتاتوراً ،
لكنني سأجعلُ الديكتاتوريةَ حديقةً للشعر
و سأتركُ الناسَ أحراراً إلى حدٍّ يخيفُ الآلهة
كي يعرفوا أن السلطةَ الحقيقية
هي أن يختارَ الإنسانُ عقلَهُ دون إذنٍ من أحد ،
و سيكون للموسيقا وزارةٌ لا يترأسها وزير ..
بل امرأةٌ تعزفُ على الكمان حتى يذوبَ العتم
و حتى تفتح للناس أبواب السماءِ إذا ما ضاقت بهم الأرض .
ستُستبدلُ المراسيمُ بالقصائد المغنّاة ..
و يُمنعُ صمتُ المذياعِ كما يُمنعُ الرصاص ،
و يُعلَّقُ النشيدُ الوطنيّ على أوتارِ غيتار من الضوء
كي يغنّيه الأطفالُ من الشرفات
فتسقطُ التماثيلُ من الخجل .
في الحياة القادمة سأكون ديكتاتوراً ..
و آمرُ الناسَ أن يرقصوا على أنقاضِ التاريخ و أبطاله ،
و آمرُ الغابات أن تحترق على إيقاع الدفوف ،
و سأعلنُ أن أعظمَ انتصار ..
هو أن يُهزَمَ الحزنُ أمامَ الأغنية .
لكنني
حين يكتملُ اللحنُ الأخيرُ ..
سأكتب مذكراتي على سلمٍ موسيقي
بعد أن أكتشف أنّ الموسيقا أعدّت انقلابَها عليّ بصمت ،
فالجوقاتُ ستنهضُ كجيوشٍ من العصافير
و الأوتارُ ستقطعُ صوتي من جذوره ،
و سأُساقُ وحيداً إلى محكمةٍ تعزفُها الطبول ،
حيثُ تصدرُ الأغنيةُ حكمها النهائي ..
لا مكانَ للديكتاتور ،
حتى لو كان يحكمُ بالموسيقا .