محمد حماد يكتب :الحجر الذي يُراد له أن يصيب مصر قبل فلسطين بضربة واحدة

لسنا أمام حدث عابر، ولا أمام حرب تُطوى بانتهاء العمل العسكري ما يجري لغزة اليوم ليس فصلًا جديدًا في مأساة فلسطينية، بل هو إعادة رسم للخرائط، وتفكيك للثوابت، وتفخيخ للمستقبل.
ما يُحضَّر لغزة في أقبية السلطة بواشنطن وتل أبيب، وبمشاركة أطراف دولية وإقليمية، لا علاقة له بطوفان الأقصى، ولا يقتصر على إعادة الأسرى. إنه مشروع تصفية مزدوج، يبدأ من فلسطين، لكنه يضرب مصر في القلب.
غزة يُراد لها أن تُفصل عن مصير الضفة، أن تُحوّل إلى مشروع عقاري يُبنى فوق أنقاضها، وعلى جثث أبنائها، مع تهجير من تبقّى.
ويُراد لها أن تكون بوابة الممر الهندي إلى المتوسط، ممرًا اقتصاديًا يخترق الجغرافيا، ويُقصي السيادة، ويُعيد تشكيل الإقليم على حساب مصر وفلسطين معًا.
الترتيبات الأمنية التي تُفرض على غزة تُفخّخ سيناء، وتُقصي مصر عن القرار، وتُفرغ مفهوم الأمن القومي من مضمونه.
غزة لم تعد مجرد ملف فلسطيني، بل باتت أداة لإعادة هندسة الإقليم، وتحويل مصر من مركز إلى هامش، ومن فاعل إلى متلقٍّ.
غزة هي الحجر الذي يُراد له أن يصيب عصفورين:
– إنهاء الحلم الفلسطيني في التحرر والسيادة.
– تقويض العمق الاستراتيجي المصري، وتحويل سيناء إلى منطقة قابلة للتدويل والتلاعب.
من لا يرى في غزة قضية أمن قومي، لا يرى في مصر دولة ذات سيادة.
الصمت عن هذا المخطط ليس حيادًا، بل مشاركة في الجريمة.
وغزة، التي قاومت وحدها في وجه آلة الحرب، لا يجب أن تُترك وحدها في وجه مؤامرة التسوية.
فما يُراد لغزة اليوم، هو ما يُراد لمصر غدًا.
وما يُراد لنا أن نراه كأزمة إنسانية فحسب، يجب أن نقرأه كتحوّل استراتيجي، وكمعركة على المستقبل، لا على الخرائط فقط.
مستقبلنا يفرض علينا أن نكون حاضرين، لا متفرجين.
الوقوف بصلابه اليوم ضد المؤامرة على غزة، هو دفاع عن مصر الحاضر ومصر المستقبل.