رؤي ومقالات

محمد يونس يكتب :ظاهرة الوجود و العدم

ظاهرة الوجود و العدم .. الميلاد و الموت .. البداية و النهاية ..حيرت البشرمن بداية الوعي .. حتي إبتكار الذكاء الإصطناعي ..
لكل شيء في هذه الحياة شروق وغروب مثل الشمس و القمر و النجوم ..و الفصول ..و البشر و الحيوانات و النبات و الحشرات.. الفارق هو مدى إتساع الدورة .. وهل تستغرق يوم .. سنة .. قرن .. عدة قرون
و هكذا تعلم الناس أن كل ما يوجد .. من كائنات حية أو ظواهر طبيعية أو أفكار أو علاقات لا تخلد .. فلابد أن لها من نهاية . إنها طبيعة الحياة كما عرفوها الحركة ..و التطور و التغير .. و الإحتفاء.
بعض النظريات .. العلمية تتحدث عن أن المادة أو الطاقة ((لا تفنى ولا تستحدث من العدم )) بل هي في حالة تبدل وصيرورة دائمين وتحول من شكل لاخر .. و أننا نشهد .. هذا التغير .. في كل مظاهر الكون .
و لكن أخرون يرون أنه كفر .. فالرب في كل الأديان .. منذ زمن أوزيريس حتي عصر التوحيد .. قد خلق كل الأشياء من العدم علي غير مثال .. بكلمة (( كن فيكون )) .
الفارق بين الطاقة المستمرة التي تأخذ أشكالا مختلفةفي تطور يربط الوجود بصيرورة مستمرة لمليارات السنين ..
و بين الوجود و العدم بإرادة ربانية .. هو الفارق بين الفلسفة و الميتافيزيقيا
الأولي تحاول أن تفحص قوانين التغير ..و الأخرى ترى أن البداية و النهاية.. مكتوبة في لوح محفوظ يعبر عن إرادة علوية لا فكاك منها ..و لا سبيل لتغييرها ..
هذا الإختلاف ظهر ت بداياته فيما يسمي محنة خلق القران ((فكر انتشر في عهد الخليفة العباسي المأمون من قبل فرقة المعتزلة والتي تدّعي أن القرآن مخلوق وكلام الله مخلوق … اقتنع بهذا الرأي الخليفة وطالب بنشره وعزل كلِّ قاضٍ لا يؤمن بهِ..
وهو ما لقي معارضة واستهجاناً من الأئمة مثل الإمام أحمد بن حنبل الذى قال من زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل مخلوق ولا غير مخلوق فهو أخبث من الأول…و إشتدت المحنة حتى قام الخليفة المتوكل بإنهاءها)) .
وجهة النظر الأولي ترى المجتمعات تتطور .. عبر التاريخ و كل نمط يتسبب في تواجد الأخر و يحتويه ..
و الثانية لا تجد رابطا بين عصور ما قبل التاريخ ..و إنطلاق البشر في مركبات تجوب الفضاء . لذلك يتعاملون مع الاحداث علي أساس .. أنها قدر و تغييرات علوية ..فوق قدرة البشر لانها تتصل بإرادة الرب .. و لا يرون خيط التطور و الصراع البيئي .. الذى يفرز .. الأنظمة المختلفة .
العلميون .. يبحثون .. عن أسباب الحياة و نظم الثقافة ..وإسلوب تعامل الأفراد في مجتمع شبه الجزيرة العربية .. قبل ظهور الإسلام ..و أنه (اى الإسلام ) نتاج طبيعي لمجتمع البداوة ..
أما المتدينون .. فيرون أنه هبة من الرب .. و يمثل لحظة تغير و فاصل يجعل ما قبله جهالة و كفر ..و ما بعده نور و إيمان ..
و هناك فارق بين الحالتين .. فالشخص الذى هداه الرب لدينه ..أصبح من الصحابة يمحو سيرته السابقة مهما كان عبدا أو حرا و حياته و تاريخ إسرته حتي لو كان غير معروف أبيه وامة من أصحاب الرايات الحمر .. و ملابسة و نظافته ..و عاداته ..و يرسي نمط جديد .. عالي الطهارة .. حسن الخلق مرضي عنه في الدنيا و الأخرة .
لذلك عندما نقول أن غزوات البدو للدول المجاورة و إستعمارها .. هو إمتداد لحياة الجاهلية البدوية التي تعيش علي الرعي و التجارة و الحروب ..و القنص .. بنتفض المؤمن .. و يقول بل فتح و هدايا ..و إنقاذ للموالي من ظلمات الكفر و الجهالة .
عندما تولي الخليفة عمر بن الخطاب الحكم ( 634م ) كانت المنطقة التي نعيش فيها مقسمة بين الإمبراطورية الفارسية ..و الإمبراطورية البيزنطية .
جيوش الخليفة قامت بغزو البلدان المجاورة .. و طردت الإمبراطوريتن ليقيم بدو الجنوب إمبراطورية عمر بن الخطاب .
بعد ربع قرن حوالي عام ( 662م) سلمت الإمبراطورية الوليدة مقاليد الحكم لبني أمية ( أخر من أمن بالدين الجديد ) بعد حروب طاحنة بين الصحابة من سكان شبه الجزيرة المسلمين
فجعلوا من دمشق عاصمة ملكهم ..و حكموا المنطقة لثمانية و ثمانين سنة حتي عام ( 750 م ) عندما إنتصرت عليهم قوات بني عباس المعززة بموالي من الفرس ..و كونوا الدولة العباسية .
الدولة العباسية .. بدات بقوة .. تؤمن سلام المستعمرات ..و تتوسع في حدودها ..و تضع نظم للإمبراطورية مأخوذ معظمها معن البرامكة .. و توثق الدين الإسلامي بكتب دونها مسلمو الأطراف .. تحكي عن السيرة ..و الأحاديث النبوية ..و تفسر القران بمذاهب أربعة ( شافعي ، ملكي ، حنفي ، و حنبلي ) .. و تعيد كتابة النص المقدس بعد وضع النقاط علي الحروف .. و تنشر اللغة العربية بين الأقوام المستعمرة .
ثم توالت الصراعات بين أبناء الخليفة هارون الرشيد .. و عوامل الضعف .. حتي تعرصت بغداد لغزو بدو الشمال .. فعانت من التتار و المماليك ثم المعول الذين أنهو الخلافة العباسة عام 1258 م بعد حكم إستمر لخمسميت سنة .
بعد سقوط الخلافة بحوالي أربعين سنة (1299 ) كون عثمان بن أرطغرل الدولة العثمانية. من قبائل بدو التركمان الذين شتتهم التتار و المغول ..
بعد التكوين بحوالي مائة وخمسين سنة( 1451 ).. أصبح بقدرة العثمانيون أن يحققوا بقيادة محمد الفاتح إنتصارات .. جعلت منهم قوة جديدة يعمل حسابها في المنطقة ..
.. حول عام (1600 ) .. إستطاع سليم الأول قائد جحافل بدو الجنوب أن يحقق السيطرة علي المنطقة بغزو .. الشام و مصر و الحجاز و اليمن و يتحكم قيها عسكريا و دينيا بنقل الخلافة من الدولة العباسية إلي الدولة العثمانية .
الدولة العثمانية واجهت نفس مصير الإمبراطوريات السابقة التي إعتمدت علي القوة .. للتحكم في الشعوب المقهورة .. فسقطت عام 1924 بعد الحرب العالمية الأولي و تولي أتاتورك للحكم ..و تحويلها لدولة أوروبية علمانية .
بكلمات أخرى تحكم بدو الجنوب و الشمال .. في المنطقة التي كانت في يوم ما ( سومر و أشور و بابل ) و تسمي اليوم العراق ..و(فارس ) إيران وبلاد (الاموري ،الكنعاني ، الفينيقي و الاوغاريتي ) التي تمثل الشام و فلسطين .. و (كميت ) مصر ..و أنهو علي إسلوب الحياة القائمة للزراع .. ليحلوا محلها فكر بدوى .. يمجد القوة و العنف ..و الغزو ..و يعتمد في دخله علي ما يحصلة من الشعوب التي تعلمت .. كبف تنتج .
بدو الجنوب أو الشمال لم يمتلكوا ما يقدمونه للدول المستعمرة إلا ثعليمات الدين من و جهة نظرهم ..و لكنهم إعتمدوا في إسلوب الحياة علي تراث المنطقة .. البناء و الحكم ..و الملابس ..و الثقافة و العلوم ..و الفلسفة والفنون و الطعام و كل مايخص حياة الناس ..و وضعوا علية لافتة(إسلامية ).
التاريخ ليس مراحل منفصلة .. بل هو سلسلة متصلةالحلقات ..مرتبطة ببعضها .. تمام الإرتباط .. تحمل في كل مرحلة نقيضها .. في حالة صراع.. ناتج عن تراكمات كمية بسيطة تتحول لنغير نوعي ..
فيصبح بدو الجزيرةالعربية المتفرقين المتصارعين .. موحدين تحت راية الدين الجديد .. بنتشر بين سكان الإمبراطوريتين اللتان وصلا للضعف الذى يسمح بكسرهما .. فتتفاعل .. الفلسفات .. وتنتج البيزنطية الدولة الأموية .. و الفارسية الدولة العباسية ..
لتحمل النسخة الجديدة عوامل ضعفهما .من ترف و تفسخ أخلاقي .. و ديكتاتورية ممرضة و إنفصام بين الجالس علي العرشو من يقدم له الغذاء و الأموال . ….. وتسقط الدولتين .. تحت سنابك خيل بدو الشمال الأكثر حماسا و جوعا .. تتار .. فمماليك فمغول فعثمانيين ..وتأسر المنطقة في أطر التحلف و الجمود ..و تبتعد بناسها تدريحيا عن التطورات التي تحدث في أوروبا
لتصبح فريسة سهلة للغزو الفرنسي ثم البريطاني ..و تتخذ شكل الدول الحديثة ..و لكن في القلب .. فكر البدو الذى يحد من عوامل التطور ..
و يزداد الإنعزال ..و الفارق بين العالمين عالم الدول العربية المسلمة ..و عالم بلاد الواق الواق العلميةالهوى .. لينبدل في النهاية المستعمر .. و تحل أمريكا محل أوروبا و العثمانيون و العباسيون و الأمويون ..و بدو الجزيرة .
و مع ذلك لا يتعلم الناس أن كل ما يوجد .. من كائنات حية أو ظواهر طبيعية أو أفكار أو علاقات لا تخلد ..
فلابد لها من نتطور لشكل أفضل . و إن طبيعة الحياة كما عرفها البشر هي الحركة ..ر و التغير…و ستتغيروا حضراتكم كما حدث للفرس (إيران ) و للعثمانيين( تركيا ) .. أو تندثروا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى