كتاب وشعراء

الشاهد الوحيد…..بقلم محب خيري الجمال

(1)
كلما كتبتُ لكِ،
كانت الريح تأخذ الورق وتلفّه كجثةِ فأرٍ صغير،
وتضعه في فم الطريق.
ما عدتُ أعرف كيف أناديكِ…
أأصرخ باسمكِ؟
أم أبلعهُ وأتقيأ دمعي؟
لستِ امرأة، بل فكرةٌ انهزمتْ في عقلِ رجلٍ لا يملك إلا حذاءه المثقوب.
(2)
أُقسم لكِ،
أنكِ تقيمين تحت ظفري، مثل شوكةٍ نسيتها أمّي حين غسلتني آخر مرّة.
كلما نبشتُ جلدي كي أطردكِ،
خرجتِ امرأةً كاملة،
برائحة الخبز المحروق
وصوتكِ الذي يشبه أنين الحليب
حين يُسكب من صدرٍ ميت.
الرجال في السوق يعرفونني،
ليس لأنني شاعر،
بل لأنني أبيع لهم حزني مغلفًا بكيس سكر،
وأرسمكِ على كرتونةٍ فارغة،
ثم أقول:
اشتروا هذا الوجه، بجنيهٍ واحد فقط.
يضحكون،
ويشترون البكاء مني،
جنيهًا…
جنيهًا…
حتى نفد وجهي.
(3)
أنتِ شاعرة؟
جميل.
لكن من يكتب عن رغيفٍ بلا قمح؟
عن طفلٍ يبكي لأن ظلهُ لا يُجيد البكاء؟
من يكتب عن فقيرٍ
يضع الدمعَ في جيبه،
ويغسل وجهه بالخذلان؟
أنا الذي أكتبكِ الآن،
لا لأُخلِّدكِ، بل لأحرّركِ
منكِ.
(4)
كل النساء اللاتي مررن في قلبي
كنّ يشبهن صندوق البريد،
مفتوحاتٍ لرسائل الغياب،
لكن وحدكِ،
كنتِ الرسالة،
والسكين،
والبريد الذي انفجر في وجهي.
كنتِ دميةً خشبية في متحف الحبّ،
وحين قبلتُكِ،
دخلتُ في فم النار.
(5)
أتذكرين عندما قلتِ لي
اكتبني كما تشاء، لكن لا تضعني في جيب القصيدة؟
كدتُ أضحك،
فجيبي مثقوب،
وأنتِ تسقطين كل مرة،
كقطرة حبرٍ لا تحب الورق.
كنتِ تخافين أن تذوبي في النص،
فذابت القصيدة فيكِ،
وصرتُ أنا الحبر الذي تشربينَه حين تصمتين.
(6)
نامي،
لكن على سريرٍ من الشوك.
اشربي،
لكن من كأسٍ ملأته دموعي ليلةً نسيتِ اسمي فيها.
وإن كتبوا لكِ تمثالًا في المدينة،
فليجعلوه بلا عيون،
ولا يدين،
ولا قلب،
تمثالًا من هواء،
مثلك.
أما أنا،
فقد صرتُ غبارًا يمشي في حذاء الزمن،
ورأسي،
حفرة صغيرة
يختبئ فيها الشعر كلما انفجر العالم.
***
لن أموت لأنكِ رحلتِ،
سأعيش لأكون
الشاهدَ الوحيد على جريمةٍ
لم تقع قط،
لكن الجميع صدّقها،
لأنكِ
أنتِ التي بكتْ عند الباب،
وركضتِ مثل بطلةٍ مسكينة
في فيلمٍ لم يُصوّر أبدًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى