لعنةٌ ” إقليدِس”…..بقلم سليمان أحمد العوجي

دَهْرٌ ونَيِّفٌ وأنا أَطْبُخُ حَصَى عُنْفُواني،
أُهَذِّبُ شارِبَ كِبْريائِي،
وأُعِدُّ ما اسْتَطَعْتُ لِغَزْوَةٍ
تُطِيحُ بِرَأْسِ كُلِّ مَساءٍ مِن دُونِكِ.
دَهْرٌ ونَيِّفٌ،
وعِطْرُكِ يَصْهَلُ بِبابي،
ويُحَرِّضُ المَفاتيحَ على اسْتِبْدادِ الأقْفالِ.
دَهْرٌ ونَيِّفٌ وأنا أُحاوِلُ
خَرْقَ الهُدْنَةِ بَيْنَ قَلَقي عَلَيْكِ ونِسْياني لَكِ،
فَأَقَعُ في كَمِينِ الشَّوْقِ المُحْكَمِ.
دَهْرٌ ونَيِّفٌ تُلاحِقُنا لَعْنَةُ “إقْليدِسَ”،
ونَحْنُ كَخَطَّيْنِ مُتَوازِيَيْنِ نُزاوِلُ كَذِبَةَ العِناقِ.
دَهْرٌ ونَيِّفٌ وأنا أَنْقُشُ حِنّاءَ المَديحِ
على كَفِّ الرِّيحِ لِتَصِيرَ مُواتِيَةً،
تُكَذِّبُ الرِّيحُ ظَنَّ الجِهاتِ،
ويَصِلُ قِطارُ الصُّدْفَةِ،
وأنا المُنْتَظِرُ العَتيقُ في المَحَطَّةِ.
أُحْصي عَدَدَ المُكْفَهِرِّينَ،
والذّابِلِينَ،
والمُلَوِّحِينَ بِمَنادِيلِ الحَسْرَةِ،
وأَكُفِّ النَّدَمِ.
يا سَيِّدَةَ الرَّحيلِ المُرِّ…
ناحِلٌ هذا الحُضُورُ،
كَضِياءِ فانُوسٍ مُتَسَوِّلٍ
في داجِيَ العَوَزِ.
مَواسِمُ الوَجْنَتَيْنِ
مَوْهُوبَةٌ لِجَرادِ اليَأْسِ.
وأنا كَفِيفُ البَخْتِ،
أَحْضُرُ كَشِهابٍ مَطْرُودٍ مِن بَلاطِ السَّماءِ.
مَتى تَتْعَبُ خَيْلُ ذُهُولِكِ؟
وتَرْكَنُ حِيادَها في حَظائِرِ الانْتِباهِ،
مَتى تَكُفُّ مَناجِلُ اسْتِفْهامِكِ عن حَصادِ حُقولِ سَكينَتي؟
يا سَيِّدَةَ الرَّحيلِ المُرِّ…
ها قَدْ حَضَرْتُ،
وقدِ اكْتَمَلَ نِصابُ العِشْقِ.
فَلا فارِسُ المَسافَةِ
هَزَمَني،
ولا مُحْتاجُ الوَقْتِ
خَرَجَ مِن داري مِن غيرِ رَغيفِ ذِكْرَى.
يَعودُ غَزالُ اللَّهْفَةِ جائِعًا،
فَلا رُوحُكِ أَمْطَرَتْ هذا العامَ،
ولا قَلْبُكِ اعْشَوْشَبَ.
على صَفْصافِ خاطِري يَمُرُّ
فُراتُكِ بِغُرُورٍ.
في غِيابِكِ الحالِكِ،
كُنْتُ على عُكّازِ الشَّوْقِ.
حينَ تَعَثَّرْتُ
وانْكَسَرَ قَلْبِي،
كَأَنِّي لَم أَرُدَّ جَحافِلَ اليَأْسِ على أَعْقابِها.
وأَنْتِ مَشْغُولَةٌ بِإِثْباتِ كُرَوِيَّةِ الحُبِّ.
كَأَنِّي لَم أُسَيِّجْ ضَحَكاتِكِ
بِسُورِ القَلْبِ،
وما نَحَرْتُ أَلْفَ آهٍ
على مَذْبَحِ اللَّيْلِ.
كَأَنِّي ما نَقَّبْتُ عن تُحَفِ الفَرَحِ
في أَوابِدِ عَيْنَيْكِ.
ولَمْ أَتَزَلَّفْ لِلصَّمْتِ
في بَلاطِ كِبْريائِكِ.
كَأَنِّي لَم أُشَجِّرْ بورَ وَحْشَتِكِ
بِنَبِيذِ الحَكايا.
ولَمْ أُمْسِكِ المَعْنَى الضَّرِيرَ
لِوَجْهِكِ مِن يَدِهِ
لِنَعْبُرَ مَعًا حُقولَ مَجازاتِهِ الشَّائِكَةِ.
لا تَصْمُتي،
فَنايُ صَوْتِكِ
مَحا جاهِلِيَّةَ خَوْفِي.
وها أَنا أَسْبَحُ بِحَمْدِ الطُّمَأْنِينَةِ.
قالوا: لا تَلُمْها.
هيَ عَروسُ الجَمْرِ،
تَعَثَّرَتْ بِرَمادِها،
وتَزَوَّجَها الحُزْنُ بِالإِكْراهِ،
فَأَنْجَبَتْ مِن صَمْتِها
وَجَعًا لا يَنامُ.
قُلتُ: لو تَرَكْتِ لي
في كِنانَةِ العَيْنَيْنِ الذّاهِلَتَيْنِ
سَهْمًا،
لَكانَ مِن نَصِيبِي،
ولَعُدْتُ مَحْمُولًا على الأَكْتافِ
مَلْفُوفًا بِرايَةٍ حَمراءَ.
وكانَتْ لي شاهِدَةٌ
تَلِيقُ بِشَهِيدٍ.