إبراهيم نوار يكتب :الذهب يشتعل بنيران الحرب الباردة بين الصين وأمريكا

من الصعب تفسير حريق أسعار الذهب بعوامل فنية، أو بمجرد تأثير تخفيض أسعار الفائدة على الدولار. العامل الأكثر تأثيرا على سوق الذهب حاليا هو الصراع على قمة الاقتصاد العالمي بين الصين الصاعدة وأمريكا الراكدة، إضافة إلى سوء الإدارة الأمريكية والفزع داخل المؤسسات الاقتصادية من تزايد احتمالات فقدان مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لاستقلاليته. التنافس الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين تحول إلى صراع مكشوف منذ تبنى الرئيس الأمريكي الحالي سياسة العداء للصين رسميا خلال فترة رئاسته الأولى، وسجل ذلك بنص قاطع في وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي لعام 2017 باعتبارها «خصما»، وقد انتهجت إدارته في ذلك الوقت، والإدارة اللاحقة للديمقراطيين، ثم إدارته الحالية إجراءات معادية للصين دبلوماسية وتجارية ومالية وتكنولوجية وعسكرية، تشكل جميعها ملامح حرب باردة جديدة تخوضها الولايات المتحدة للمرة الثانية في تاريخها. الحرب الباردة الأولى انتهت بهزيمة الاتحاد السوفييتي من دون طلقة رصاص واحدة، وتفكيك الدولة وتقزيم نفوذها، وتحويلها اقتصاديا من دولة عظمى إلى دولة نامية. لكن يبدو أن الحرب الباردة الثانية قد تشهد نهاية مختلفة. وعلى الباغي تدور الدوائر.
هذه القراءة تستند على حقائق تتحدث عن نفسها، من حيث الريادة الصينية في صناعات الفضاء، والصناعات الجوية، وصناعات الروبوت، وأنظمة الذكاء الاصطناعي، ووسائل النقل، والطاقة المتجددة، وأنظمة الاتصالات وغيرها. ويمثل احتياطي الذهب أحد تجليات الحرب الباردة بين القوتين الأعظم في العالم حاليا، فالصين تسعى لزيادة الثقة العالمية في عملتها من خلال أدوات متعددة ومختلفة منها زيادة احتياطي الذهب لدى البنك المركزي الصيني، بينما الولايات المتحدة تعتمد على سياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الموازنة بين الحاجة إلى دولار قوي بمساندة أسعار الفائدة، أو بالاعتماد على دولار رخيص لمساندة الصادرات وتحفيز النمو والتشغيل. الذهب إذن يلعب دورا رئيسيا في الحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة. وسوف تظل أسعاره قوية بقوة الطلب القادم من الصين لفترة من الزمن، على الأقل حتى يصبح معدل زيادة موارد الذهب المحلية في الصين كافيا لتعزيز الثقة في اليوان الصيني، وحتى يحوز اليوان على الثقة الدولية التي تؤهله بحق لأن يصبح عملة احتياطي دولي لدى البنوك المركزية تزيد نسبتها عن النسبة الحالية التي يتمتع بها اليورو، التي تبلغ حوالي 20 في المئة. وطبقا لبيانات صندوق النقد الدولي للربع الأول من عام 2025، فإن حصة عملة اليوان الصيني (الرنمينبي أو الـ RMB) من احتياطيات العملات الأجنبية المُعلَنة للمصارف المركزية حول العالم هي حوالي 2.12 في المئة فقط من إجمالي الاحتياطيات المعلَنة. لكنها ترتفع إلى أكثر من ضعف ذلك في تسويات التجارة الدولية.