مارأسك / للشاعرة السورية القديرة سرية العثمان

#ما رأسُكَ؟
#مناجاة على سجّادة الوجد
لا أدرِي…
أأنا مِنكَ؟
أم أنَّكَ مِن نَبضي خُلِقْتَ؟
أتَمشي داخِلِي؟
أم أنَّي ظِلُّكَ حين يفيضُ النورُ عن الجدران؟
كُلَّما دَنَوْتُ،
انبَثَقْتَ مِنِّي.
وكُلَّما ابتَعَدتُ،
سَمِعْتُكَ تَهْمِسُ:
ما بينَنا ليسَ مَسافةً،
بلِ اشتِعالٌ.
تَهِيمُ رُوحِي بكُلِّي،
تَخلَعُ عنِّي الأسماء،
وتُلبِسُني صَمتَكَ.
أنا التي كانت تقول: “أنا”،
صِرتُ لا أقولُ،
ولا أُشيرُ،
ولا أَدَّعي شيئاً.
صَوتي؟
ضاعَ بينَ حَرفَيْنِ خَرَجَا مِن شَفَتَيْكَ.
والخَمرَةُ…
ما عادَت في الكأس،
ولا في نَبيذِ العَنب،
بل فيكَ،
في رَعشةِ حُضورِكَ،
في دَقَّةٍ خَجولَةٍ على بابِ صَدري
كُلَّما نادَيتَني بلا صَوتٍ.
الخَمرَةُ تَثْمَلُ مِن دُقَّاتِ قَلبي،
وتتقيَّأُ الوَعيَ،
وتَسكُبُني على سَجَّادَةِ الوقتِ
رَكعةً طَويلةً
لا تَنتهي.
أسألُ: ما رأسُكَ؟
وأقصِدُ: مِن أينَ جِئتَ؟
مِن أيِّ سَمَاواتٍ نُسِجَتْ قُماشَةُ رُوحِكَ؟
مِن أيِّ لَيلٍ اغتَسَلَ وَجْهُكَ قبلَ أن يَشرَبَني؟
أَتَراكَ بَشَراً؟
أم فِكرَةً مرَّت في الخاطر،
وتَجسَّدَت في لَحظَةِ حَنينٍ لم أَنتَبِه لها؟
في حَضرَتِكَ،
كُلُّ شيءٍ يذوبُ:
الشَّكلُ،
الصَّوتُ،
الزَّمنُ،
والمَنطِقُ.
أُحَدِّقُ فيكَ،
فأراني.
أُحَدِّقُ فيَّ،
فأنتَ هُناكَ،
تبتَسِمُ كأنَّكَ تَعرِفُني مُنذُ البَدءِ.
ما رأسُكَ؟
أَتَعويذَةٌ؟
أم بِدايةُ نَشيدٍ لم يُكتَبْ بَعدُ؟
قُل لي:
أكُنتَ دَومًا هُنا،
وأنا التي لم أَرَكَ؟
أم أنَّكَ أتيتَ حينَ طَهَّرْتُ قَلبي
منِ اسمِهِ،
ومنِ اسمِي،
ومن كُلِّ ما كُنتُ أظُنُّهُ أنا؟
الآن،
لا أَدْرِي شيئاً،
ولا أُريدُ أن أَدْرِي
يَكفِينِي أنَّكَ وَجَدتَ فيَّ وَطَناً،
وأنَّ رُوحي، كُلَّما صَلَّتْ،
انثَنَتْ نَحوكَ.
سرية العثمان ٢٠٢٥/٩/٣٠