مؤتمر قصيدة النثر… في محبة الشعر دون مقابل ….بقلم ابتهال الشايب

الإبداع هو الحرية، أن تشكل نصك كيفما تريد، شكل من أشكال التمرد؛ لأنك تكسر الكثير من القواعد التي حددها بعض الكتّاب والنقاد. قصيدة النثر واحدة من أشكال التمرد؛ فهي تحاول التحرر من القيود والقواعد الموروثة من القصائد التقليدية. تبحث عن القيم الشعرية الموجودة في لغة النثر، وتخلق مناخًا مناسبًا من أجل التعبير عن تجارب ومعاناة الشاعر، وفي الوقت نفسه تحرص على تعويض الانعدام الوزني في القصائد التقليدية.
أُقيم في السادس عشر من سبتمبر لعام 2025 المؤتمر التاسع لقصيدة النثر المصرية، والذي استضافته نقابة الصحفيين بالقاهرة، واستمر لمدة ثلاثة أيام. ويُعتبر المؤتمر الوحيد الخاص بقصيدة النثر منذ عام 2014. شارك فيه مجموعة من النقاد والشعراء والمترجمين والصحفيين وبعض من كتّاب القصة والرواية، منهم: الناقد د. محمد عبد الله خولي، الناقدة د. رشا الفوال، الشاعر أحمد الشهاوي، الروائي وحيد الطويلة، القاص والناقد أحمد حلمي، الشاعر عيد عبد الحليم، الشاعر علي عطا، المترجمة سارة حواس، الكاتب جمال القصاص، الشاعر مصطفى عبادة، المترجمة نجوى عنتر وغيرهم.
يُذكر أن نشأة المؤتمر كانت منذ عام 2014، وصدر معه الجزء الأول من موسوعة قصيدة النثر المصرية، ثم تلتها أمسيات شهرية لتنشيط الحركة الثقافية، والشعر تحديدًا، ثم مؤتمرات مصغرة في مدن: السويس، دمنهور، وبني سويف. في الدورة الثالثة شاركت دولة المغرب بموسوعة مصغرة عن شعراء قصيدة النثر، ثم بعد ذلك بالترتيب: تونس، وليبيا، والجزائر، وصدر لهم موسوعات تخص قصيدة النثر في بلادهم، وكان يحضر بعض الزملاء ممثلين لبلادهم. وفي هذه الدورة صدر الجزء السابع من الموسوعة عن دار روافد للنشر.
مؤسس المؤتمر الكاتب عادل جلال، وهو الذي يرعاه ماديًا، ويشارك في تنظيمه الشاعر إبراهيم جمال الدين التوني، والكاتب والناقد د. عمر شهريار.
كان محور المؤتمر: الجميل والجليل والقبيح في قصيدة النثر. تناول بعض الإشكاليات في قصيدة النثر مثل مفهوم الجليل، تجليات المقاومة، توظيف الغموض، وغيرها من الموضوعات. وكان كاشفًا لمشكلات الترجمة، تحديدًا ترجمة الأدب المصري (خاصة الشعر) إلى اللغات الأخرى، ومعاناة الكُتّاب مع المترجمين، ومعاناة المترجمين في الترجمة ودور النشر، وضرورة أن يكون المترجم أمينًا في نقل العمل الأدبي، وغيرها من الأمور التي تستحق المعالجة وإيجاد حلول مناسبة لها؛ كي ننهض بحركة الترجمة في مصر. غالبية الجلسات تناول الباحثون فيها الموضوعات بجدية وبـلغة بسيطة غير متكلفة.
حمل المؤتمر أيضًا لمسة وفاء للراحلين مثل الشاعر يوسف مسلم، والشاعر والناقد د. محمد السيد إسماعيل، الذي أُقيمت جلسة لمناقشة مشروعه الشعري والنقدي. كذلك حرص بعض مديري الأمسيات الشعرية على ذكر بعض قصائد شعراء راحلين آخرين؛ تقديرًا ووفاءً لذكراهم. اهتم المؤتمر في هذه الدورة بتقديم وجوه شابة جديدة في مجال الشعر مثل الشاعرة دعاء خطري، والشاعر وسام زين الدين.
في الحقيقة، أنا لا أفضل حضور المؤتمرات كثيرًا؛ لأنها أحيانًا تخرج عن دورها السامي، وتصبح ساحة للشللية، وفرصة لممارسة النفاق والانبطاح والتكبر والنميمة والمضايقات. لكن هذا المؤتمر كان على عكس ذلك؛ غالبية الحضور من محبي الشعر وفن الكتابة، يتسمون بالبساطة والود والروح المرحة. بعضهم تحمل مشقة السفر من محافظات أخرى إلى القاهرة فقط من أجل الشعر والمعرفة، ودون أي مقابل مادي.
من الغريب أنه يُعتبر الوحيد الخاص بقصيدة النثر في مصر! تغيب عنه بعض الشعراء، ولا أعلم السبب؛ ربما ظروف خاصة بهم أو خارجة عن إرادتهم. لكنه كان مفيدًا للغاية بالنسبة للمهتمين بكتابة الشعر، ومن الفعاليات القليلة التي تهتم بشؤون ترجمة الشعر المصري رغبةً في نقله إلى لغات أخرى.
وكنت أرى أنه بحاجة إلى إقامة مزيد من الأمسيات الشعرية؛ لإعطاء فرصة أكبر لمعرفة الشعر الحديث، وما وصل إليه، ومزيد من الدعاية حتى يصل إلى الجمهور بشكل أوسع. يستحق المؤتمر المتابعة والتشجيع والاهتمام، يكفي أنه لا يعود إلى صاحبه أو إلى المنظمين بفائدة تُذكر.
تجربة مصرية خالصة، تُعيد إلى الأذهان صورة مصر القوية، التي ما زالت تمتلك القدرة على إقامة مؤتمرات ثقافية حقيقية، وعلى نشر الإبداع والثقافة. جاءت كشعاع أمل في إعادة رونق مصر بتاريخها وحضارتها ومبدعيها.