كتاب وشعراء

نعمان رزوق يكتب : مصر العظيمة البلاد التي لم تقلْ لنا : أنتم لاجئون

عندما انقلبت الأرض السورية على أبنائها و خرجت مدنٌ كاملة من تحت ركام القصف جروحاً مفتوحة على البحر و البرّ و الغابات ، لم يكن أمام السوري إلا أن يحمل قلبه بيديه و يهرب .
هربنا مطرودين من بيوتنا ، محشورين في الزوارق المتهالكة و مكبوبين على الطرقات البعيدة. ،
كان معنى الإبادة واضحاً لا لبس فيه ، .. قتل جماعي ، مدن تُمحى ، و أهل يُدفَعون إلى هاوية الطفشان .
في تلك اللحظة التي أغلق فيها العرب أبوابهم في وجوهنا ، مدّت مصر يدها لنا .. مصر فقط ،
مصر الوحيدة التي لم تنادِنا : لاجئين .
مصر الأم .. دمجت دماءنا بدمائها ، جعلتنا في مدارسها طلاباً و في أسواقها تجاراً ، و في شوارعها أبناءً من أبنائها ، لم نكن غرباء في القاهرة و لا في الإسكندرية و لا في أي حيّ ضجّ بالحياة ، و المصري حين التقى السوري .. لم يسأله : ” من أي خيمة جئت ؟ ” بل صافحه عانقه و قال له : ( أهلاً بيك ببيتك و بين أهلك يا خويا )
و لنقارن بصدق و بلا تزويق :
في لبنان حوّلونا إلى عبء على أرصفة بيروت ، فرضوا علينا إذلال الطوابير أمام الدوائر ، و أوهمونا أننا غرباء حتى عن خبز الأمم المتحدة المخصص لنا .
و في الأردن نصبوا الخيام لنا في الصحراء قبل أن نصل إلى هناك ، رتبوا الأسلاك حولها ..و قالوا : هذا وطنكم المؤقت . كنا أرقاماً في قوائم المساعدات و ليس بشراً لهم حق الحياة و الكرامة .
و في الخليج حكاية أخرى ، أغلقوا أبوابهم و نوافذهم و الأرض و السماء في وجوهنا بإحكام ، كأننا نحمل الطاعون و اللعنة .
حتى في العراق ..البلد الذي يعرف طعم الدم مثلنا ، ذاك الذي آوينا الهاربين منه بعد سقوط بغداد في بيوتنا و قلوبنا ، تاه السوري في شوارعه بين الحواجز و الأسئلة و نظرات الريبة و وصمة غريب .
أما السوريات هناك فيملكن من حكايا الاستغلال و الإذلال ما يكفي .
أمام هذا المشهد كلّه تظلّ مصر هي الاستثناء العظيم .
مصر التي عرفت أن الكرامة لا تُقسّم ، و أن السوري لا يحتاج إلى خيمة في الصحراء بل إلى بيت يفتح بابه كأنه باب أهله ، ..
مصر التي لم تُغلق البحر في وجوهنا ، و لم تضع شرطاً على إنسانيتنا و لم تسجّل أبناءنا في دفاتر الغرباء .
لذلك ، و حين يُسأل : ” من احتضن السوري ؟ ” يكون الجواب واحداً لا غير : مصر و المصريون .
أما الآخرون ، فتركوا في ذاكرتنا خياماً تفضحهم و أسلاكاً تحاصرهم ، وجرحاً سيبقى طويلاً شاهداً على خيانتهم للسوريين و للعروبة و الإنسان .
عشت يا مصر العظيمة
و لن ننسى صنيعك أبداً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى