كنزي ..أ. سعد الحيمي

#كنزي
سعد الحيمي
هذا بعض كنزي الذي أفاخر به الدنيا ، وبعضه لم يظهر في الصور، لأنه مطمور بسبب ارتفاع السرير – فأنا أسكن عارة في منزل والدي منذ 2015 – وبعضه ينام في مقل الكراتين ، مع أن نصف هذا الكنز أهدره حمار ممن تحكموا بنا في عدن أثناء فترة الجهل وزمان الحيمرة ، فهو لم يفقه أن مهمة الحمار هي حمل الأسفار لا تشتيتها والعبث بها ، مما أورثني حرقة لن تشفى .
هذا الكنز : ليس مجرد كتب مرصوصة على أرفف المكتبة ، فهو رحلة عمر ممتدة من المهد وحتى اشتعال العمر ببياض القهر وسيستمر إلى مشارف اللحد ، والحفاظ عليه هو أول وصاياي لأولادي فهو تركتي الوحيدة التي أورثتها لهم .
هذا الكنز : ليس عبارة عن أوراق بين دفات الغلافات ، ولا حبرا زخته حروف المطابع ولم يكن يوما بورتريه للمباهاة وديكورا لسد الاضمحلال وتكملة الفراغ الشكلي والروحي ، بل هو علاقة حميمة وشغف عظيم وسعي حثيث وسهر طويل، هو عشق سرمدي تغار منه الحليلة وتخشى منافسته الخليلة ، و زواج كاثوليكي لا طلاق فيه ولا مفر منه ، وجليس تقضى العمر في مؤانسته ، ورفيق لازم الحل والترحال
( عام )
هذا الكنز : ليس سطورا سوداء على البياض وإنما بياض عقول دُلقت على سود القلوب ، وقرطاس يملك زمام الفتح والإرتقاء وإنارة الدياجير وإن تعاظم كلكلها ، وتبصير العمى مهما قسى رانه ، ومنهاج من اختطه ظفر ومن عشقه تهذب ومن عاشره تهندست روحه
هذا الكنز : ينام بين دفتيه ( السلطان النافذ ) من سواترالحجب والمسافر فوق المحال والمحقق لصعوبات الخيال ، ما ايقظته أمة إلا وأخترق بها المجرات ومخر تحتها المحيطات وشق لها الراسيات وطوع لها المعجزات ومنح لها العروش الشامخات وأورثها الأمصار القاصيات
( خاص )
هذا الكنز : هو النفائس التي أملكها والماسات التي أكتنزها والعطور التي أتنفسها والمفازات التي نلتها .
اليوم وأنا أجوس بين رفوف هذا السراج وأقلب أنفال صفحاته وأجدد الامتنان لمعروف خالقيه ولصنيع مؤلفيه ، هيجني باعث من الصبابات فنهضت العديد من الأشجان ، فمعظم حواصله لها قصص أعتصرت سحب المقل ، وحكايات آثرت الكتاب فأوجعت الخصاصات ، وروايات نشّجت الضلوع حينا وحينا أبهجت الفؤاد .
الخلاصة :
كنت ولا زلت أعتبر الكتاب هو أغلى هدية تقدم لي وتفرح نفسي وأقرب الرفوف إلى قلبي هما ركن البردوني وركن الهدايا ، وأعز هدية بين الهدايا والتي يخفق لها قلبي تلك التي زفتها لي دكتورة قلبي وسلوة خاطري ( د. ثريا سعد ) حين أهدتني كتابا يحوي نخبة من أشعار البردوني، فهي تعرف شغفي وحبي الكبير لهذا الشاعر العظيم .
اليوم وصلتني هدية منها عبارة عن نفاخة ، أقشعر جسدي من المكتوب على كرتونها ( هذه الهدية لمكتبة صديق عمري سعد ) هديتها الغالية على قلبي تحمل من المعاني ما لا سمو يعتليها ولا قيمة تدانيها ، وهي سبب إزالة ما تراكم من غبار وهجر لخير جليس في الزمان
كل سِفرٍ له سَفرٌ وكل عنوان له بداية تستحق أن تروى ويُعرف ختامها ، وقد عزمت النية على شرح متونها ولملمة حواشيها ناويا سرد أهمها
صحيح إنني أمتلك الآن أكثر من 16.000 ألف كتاب إلكتروني في هاتفي ، ووصلت لكتب لم أستطع أو أتمكن من شرائها ، لكن يظل الكتاب الورقي ذات حميمية متميزة وعلاقة وجدانية لا أظن أن وسائل العصر تقدر محوها أو إلغاء وشائجها
أكثر من 1000 كتاب تمت إعارتها خلال سنين طوال ولم تعد حتى اليوم ، وما يحز في النفس ويورث الغصص أنها من خيرة الكتب ، ومع ذلك نسيت أمورا جساما وأحداثا عظاما ، إلا الكتب لم أنسها ولن أسامح من لم يردها ما حييت .