طه خليفه يكتب :بعد 16 عاما.. مصر تنجح في فكّ عُقدة اليونسكو!

أخيرًا، وبعد 16 عامًا، تنجح مصر في فكّ عُقدة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، بعد أن استعصى عليها، وعلى العرب أيضًا، وصول مصري أو عربي إلى قيادة هذه المنظمة الدولية.
فقد فاز وزير الآثار والسياحة السابق خالد العناني (54 عاما) برئاسة اليونسكو في تصويت المجلس التنفيذي للمنظمة، الذي جرى بمقرها في باريس مساء 6 أكتوبر 2025، ليصبح المدير العام لمدة 4 سنوات، كما يصبح أول مصري وعربي، وثاني إفريقي، يترأس اليونسكو بعد السنغالي أمادو مختار مبو، أو أحمد مختار إمبو، (1974-1987).
إخفاق مرتين
سعت مصر مرتين للفوز برئاسة اليونسكو، لكنها لم تُوفَّق؛ الأولى في عام 2009، وكان مرشحها وزير الثقافة حينئذٍ فاروق حسني، الذي ظل متقدمًا في جولات التصويت، وخسر في الجولة الأخيرة بفارق أصوات قليلة، وفازت البلغارية إيرينا بوكوفا.
وفي عام 2017 كررت مصر التجربة، حيث دفعت بالسفيرة والوزيرة مشيرة خطاب في منافسة كانت صعبة عليها، فقد كان هناك مرشح قطري قوي، هو الدبلوماسي ووزير الثقافة الدكتور حمد عبد العزيز الكواري، ودعمته الدوحة دعمًا ذكيًّا، وكان فوزه شبه مضمون، لكن وجود مرشحين عربيين ساهم في تفتيت الأصوات الداعمة للعرب.
كما أن الانتخابات جرت في وقت كانت هناك أزمة سياسية عربية، مما صنع منافسة جانبية بين المرشحين العربيين (قطر ومصر)، كان طابعها ثأريًّا، وانتهى الأمر بخسارة الاثنين لصالح الفرنسية أودري أزولاي، التي لم تكن لتفوز لو كان هناك مرشح عربي واحد.
وقد حصل أمر مشابه عام 1999 في رئاسة اليونسكو أيضًا، لكنه لم يكن بنفس الحدة والانقسام والصراع العربي العدمي عام 2017. ففي ذلك العام كان المرشح العربي الرسمي هو الدبلوماسي والشاعر السعودي غازي القصيبي، وتنافس معه الدكتور إسماعيل سراج الدين، وهو مهندس معماري وكان نائبًا لرئيس البنك الدولي، ولم ترشحه مصر رسميًّا، وإنما نال ترشيحات واسعة من شخصيات عالمية رفيعة، بعضها حاصل على جوائز نوبل.
وبسبب آفة الاختلاف العربي فإن الاثنين خسرا، وفاز الياباني كوشيرو ماتسورا.
الوئام العربي
هذه المرة، في عام 2025، انعكس الوئام العربي على تقديم مرشح واحد فقط، ودعمته الدول العربية الممثلة في المجلس التنفيذي لليونسكو وعددها 7 دول، كما اجتهدت مصر في نيل دعم الاتحاد الإفريقي لمرشحها، والأفارقة لهم 13 صوتًا في المجلس التنفيذي.
لكن أُصيبت دولة إفريقية بداء الاختلاف العربي، حيث قدّمت جمهورية الكونغو (الكونغو برازافيل) مرشحًا لها في 13 مارس الماضي قبل غلق باب الترشيح بيومين فقط.
هذا المرشح هو فرمين إدوارد توماكو، الذي يتقلد منصبًا كبيرًا في اليونسكو منذ نحو 35 عامًا، وقد اعتمد في تقديم نفسه على خبرته الطويلة في المنظمة، وتعامله مع معظم بلدان العالم، وفهمه لطبيعة ودور وعمل اليونسكو جيدًا، ولهذا رأى أنه الأقدر على قيادتها.
وعمره 69 عامًا، ويتحدث الفرنسية بطلاقة، فهي اللغة الأساسية في بلده الكونغو في غرب إفريقيا، وهي غير جمهورية الكونغو الديمقراطية الأكبر مساحة، ويُطلق عليها «الكونغو كينشاسا» تمييزًا عن «الكونغو برازافيل».
الظروف المواتية
يجب أن تشكر مصر الظروف المواتية التي سهّلت فوز مرشحها؛ إذ من الواضح من الأصوات الـ55 التي حصل عليها العناني من جملة 58 صوتًا، أن كل المجموعات الجغرافية داخل المجلس التنفيذي التزمت بالتصويت له، وكذلك المجموعة الإفريقية، باستثناء صوت الكونغو، بلد المرشح المنتمي لها، وصوت بلد آخر، «حاز على صوتين فقط»، بينما لم تصوّت أمريكا، إذ أعلنت قبل أسابيع انسحابها من اليونسكو، ليكون ذلك هو الانسحاب الثالث لها من المنظمة.
الأول كان خلال عهد ريغان عام 1984، والثاني والثالث خلال عهد ترامب في عامي 2017 و2025، وهما رئيسان جمهوريان، وذلك احتجاجًا على نيل فلسطين العضوية الكاملة في المنظمة، والمزاعم بانحيازها ضد ربيبتها إسرائيل، والادعاء بوجود هدر في الإنفاق المالي باليونسكو، وأمريكا مساهم كبير في موازنتها.
انسحاب المكسيكية
الظرف المهم أيضًا هو الانسحاب المفاجئ للمرشحة المكسيكية جابرييلا راموس (61 عامًا)، في 26 أغسطس الماضي، وربما كانت تقارير التدقيق داخل المنظمة التي تحدثت عن فساد قد أزعجتها، لأنها تتولى وظيفة كبيرة ومؤثرة داخل اليونسكو مثل الكونغولي فرمين.
كنت متخوفًا من هذه المرشحة، فقد كان متوقعًا أن تشكل منافسًا قويًّا للمرشح المصري من حيث استحواذها على أصوات أمريكا اللاتينية وعددها 10، ليكون الحسم مرتهنًا بأصوات آسيا وأوروبا ولها 28 صوتًا.
ولا شيء مضمون تمامًا مهما كانت الوعود، لأن التصويت قد يتجه في مسارات أخرى في حالة احتدام التنافس بين مرشحين قويين، كما حصل في عام 2017 حين تصارع العرب، وانتهزت أوروبا الفرصة لتقتنص المنصب بالتفاهم السريع مع الأعضاء المترددين.
وفي عام 2009، تعرض فاروق حسني لهجوم من لوبيات يهودية بسبب زلة لسان له عن استعداده -وهو وزير ثقافة- لحرق كتب صهيونية إذا عُثر عليها بمكتبات وزارة الثقافة. ورغم مساعيه لتحسين صورته وتجاوز تلك المقولة التي خرجت منه تحت ضغط هجوم نائب من جماعة الإخوان عليه في البرلمان، فإن القرار الأخير في التصويت انحاز إلى المرشحة البلغارية.
تنافس سهل
لم يُعجبني أن أجد أصواتًا مصرية تتحدث عن منافسة دولية، ومعركة، وانتصار يعادل انتصار 6 أكتوبر، بسبب التزامن بين يوم إجراء انتخابات اليونسكو ويوم النصر على إسرائيل قبل 52 عامًا، فالتنافس كان سهلًا ومحسومًا بعد انسحاب المكسيكية التي رشحت نفسها ولم يرشحها بلدها.
وقد ظل العناني المرشح الوحيد، وكاد يفوز بالتزكية لولا أن المكسيكية والكونغولي ترشحا قبل يومين فقط من قفل باب الترشيح في 15 مارس/آذار الماضي.
وهذه المرة بذلت القاهرة جهودًا مضاعفة لأجل الحشد لمرشحها، عالم المصريات المتخصص في الآثار، وجندت وزارات وشخصيات وفرق عمل، ووفرت مقدرات للعناني ليجوب العواصم المختلفة لإقناعها ببرنامجه في إدارة اليونسكو.
والدرس المستفاد هنا أن قوة العرب في وحدتهم، وأن التفاهم مع العالم ضروري، وأن العمل الجاد المنظم وتقديم الشخصيات ذات الكفاءة لا بد أن يكون له مردود إيجابي.