كتاب وشعراء

ذاكرتي المفقود…..بقلم فاضل عباس

ما الذاكرة؟
أهي مستودعٌ للصور، أم نَفَسٌ سريّ يتجلّى في هيئة ملامحٍ نحبها؟
لو فقدتُ ذاكرتي، ستجدينها أنتِ، لا بين الأوراق ولا في خزائن الصور، بل في تلك المسافة التي لا يراها أحد بين اسمي ونظرتكِ. ستجدينها مختبئة تحت جفنيكِ، في رعشة الضوء حين تلتقيني الصدفة، وفي ارتباك قلبي الذي يتذكركِ قبل أن أتذكّر نفسي.
لو تاهت ملامحي عنّي، ستكونين المرآة التي لا تنسى وجهي، والسطر الذي لم يُمحَ من دفتر الوجود. سأمشي في الطرقات كغريب بلا تاريخ، وأنتِ وحدكِ من تلتقطين آثار الخطى التي تركتها حولكِ ذات مساء.
كل ما ظننته يخصّني سيتبعثر، الأسماء، الأمكنة، التفاصيل، لكنكِ ستظلين نقطة الضوء الوحيدة التي لم يطفئها النسيان. ستعيدين إليّ الحكايات لا بكلماتٍ مكررة، بل بلمسة، بنبرة، بابتسامة تعرف كيف تعيد ترتيب الفوضى في داخلي.
ذاكرتي ليست أرشيفًا من الأيام، بل كائن صغير يسكن صدركِ وينام على إيقاع أنفاسكِ. كلما مرّ الغياب، توقظينه بهدوء، وتهمسين له أن يعود إليّ في هيئة حنين.
لو فقدتُ ذاكرتي، لن أبحث عن ماضٍ ضائع، بل سأبحث عنكِ. لأنكِ الطريق الوحيد بين ما كنتُ وما سأكون، بين وجعي الأول وملاذي الأخير. ستقفين أمامي، لا تحملين دليلًا ولا خارطة، لكنّ عينيكِ ستكونان الطريق.
وعندما أمدّ يدي في العدم، ستكونين الجهة الوحيدة التي تضيء. عندها سأفهم: لم تكن ذاكرتي في رأسي… كانت فيكِ، منذ البداية
في جوهر الأمر، الذاكرة ليست ملكًا للفرد، بل حوارٌ صامت بين الأرواح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى