رؤي ومقالات

حمزه الحسن يكتب :نهاية الواقع وولادة أسطورة

أمس شهد العالم علنا ولادة أسطورة حقيقية. ولادة وطن من بين الأنقاض، وموت الواقع المزيف في مؤتمر شرم الشيخ ولم يكن أحد يتصور ما حدث باعتراف عراب المؤتمر الذي وزع المدائح لشركاء المذبحة حسب جريدة الغارديان الذين ما إجتمعوا إلا لتبرئة أنفسهم ومساعدة إسرائيل.
وتضيف: ” إن المشاركين في قمة شرم الشيخ هم من مكّن ورعى هذه المذبحة، ولهذا فهم لا يستطيعون بناء مستقبل فلسطيني”.
كان مؤتمر شرم الشيخ محاولة لخلق واقع وقتل ولادة الاسطورة. حضر الشركاء لكن غابت الضحية. لكنه الغياب الأنقى والأشرف والأكثر فاعلية.
كان العرض المسرحي الهزلي في شرم الشيخ يفتقر لرصانة الفكاهة وعمقها واختلاط الوجوه والازياء من زعماء دول الحداثة وما بعد الحداثة وزعماء مشايخ ما قبل الدولة والتكوينات القبلية في تجمع كشكولي بين رأسمالية متوحشة وبين دول ظل العراب الأمريكي يسخر من قادتها بعبارات عندهم مال كثير ونفط كثير وخص العراق بعبارة مهينة : لكنهم لا يعرفون كيف يتصرفون به. أي كلصوص عثروا على كنز وتقاسموه ونسوا من هم. لم ير فيها عدا خزائن مال وآبار نفط وليسوا قادة شعوب وهو مطلع على التاريخ السري لكل واحد منهم من سجلات المخابرات الأمريكية.
اذن ما الذي جمع بين هؤلاء في هذا المؤتمر” المهجن” من دول استعمارية عريقة وصناعية كبرى في النهب وعاشت ثورات صناعة وعلمية وفكرية وتكنولوجية وبين دكاكين خائفة من شعوبها وتنشد الحماية مقابل المال لم تتمكن حتى اليوم من انتاج العكل واليشاميغ وتستوردها من أوروبا ؟ العكل تنتج في الصين وباريس ولندن بينما كانت تنتج في النجف وسوق الشيوخ ولها استعمالات حربية في حالات الشجار كسلاح خاصة عكل الناصرية التي ترقى أن تكون أداة قتل.
وترامب في هذا الدور لم يحرر مختطفين فحسب بل ” حرر” نتنياهو من شبكة علق بها وكتب له نهايته التي حاول الفرار منها بحروب ومراوغات لكن كتبها له على وقع نشيد طويل من الاطراء والمديح لا ينطلي على نصاب محترف لكنه استنفذ كل حججه وقدراته ووصل الى باب مغلق.
عندما تنتهي الحرب يبدأ القوالون والمتفيقهون والحشاشون والعاطلون عن العمل وعن الوعي وزبائن المقاهي والحانات وقضاة الارصفة وعباقرة صفحات التواصل الذين لا يعرفهم زبال الشارع ويصابون بالرعب من وجود حشرة في الحمام بالتحليل وحساب الخسائر والأرباح والتعليق عليها كلعبة كرة القدم.
الذين خرجوا من تحت الانقاض وحدهم لم يتكلموا لان من يصنع الواقع لا يحتاج الى الكلام.
الحرب كما يراها هؤلاء أطلاق نار وجثث وأنقاض ولا شيء سوى ذلك في حين ان هذا سطح الواقع.
حسب جورج أورويل” كل دعايات الحروب، كل ذلك الصراخ وكل تلك الأكاذيب، وكل هذه الكراهية، تأتي دائماً من الناس الذين لا يقاتلون”.
هؤلاء هم الأكثر ضجيجاً في كل الحروب الذين يرعبهم انفجار اطار سيارة في شارع منتصف الليل أو انفجار بالون أطفال.
مؤتمر شرم الشيخ يذكرنا بمؤتمر الفئران التي اجتمعت للتخلص من شر قط فتك بها والدعوة الى مؤتمر طارئ لخلية الأزمة لمناقشة الكوارث التي سببها قط مسلح بأنياب قاتلة،
ورغم كل النقاشات الساخنة لم يتم التوصل الى حل، وساد الصمت في قاعة المؤتمر، وفجأة إرتفع صوت فأر عبقري وتقدم الفأر الى منصة القاعة وطرح مشروعه العبقري في حل المأزق وهو تعليق الجرس في رقبة القط بحيث
تهرب الفئران عندما يقترب. فرحت الفئران ورقصت وهللت
كما هلل شركاء المذبحة في شرم الشيخ،
لكن فجأة جاءت الصحوة بعد السكرة وحضر سؤال الاستحقاق والتجربة وهو: من هو إبن أمه وسبع الليل من الفئران، شركاء المؤتمر،
الذي يقترب من القط المسلح بالأنياب ويعلّق الجرس في رقبته ويرجع حيّاً؟ الفكرة صحيحة لكن المشكلة في التطبيق.
من يستطيع نزع سلاح المقاومة؟ هناك مسافة هائلة بين الأفكار والقرارات وبين الواقع، بين التجربة وبين النظرية، بين الفكرة وبين الواقع.
عندما تنتهي الحرب، يقول محمود درويش، “ستنتهي الحرب، ويتصافح القادة، وتبقى تلك العجوز تنتظر ولدها الشهيد، وتلك الفتاة تنتظر زوجها الحبيب، وأولئك الأطفال ينتظرون والدهم البطل. لا أعلم من باع الوطن، ولكنني رأيتُ من دفع الثمن”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى