كتاب وشعراء

مِزَاقُ الرُّوح…بقلم حيدر البرهان

مِزَاقُ الرُّوح

في مَعْمَعَةِ هذا الْعَالَمِ،
وَرَاءَ ضَجِيجِ الْأَجْسَادِ وَصَخَبِ الْأَحْجَارِ،
ثَمَّةَ مَلْعَبٌ مُقَدَّسٌ.

هُنَاكَ، حَيْثُ تَنْسَابُ الْأَفْكَارُ
نَدَى عَلَى خَيْطِ الْوُجُودِ،
تُحَوِّلُ الْمَعْنَى إِلَى مَادَّةٍ، وَالْمَادَّةَ إِلَى حُلْمٍ.

الْعَقْلُ لَيْسَ جُمْجُمَةَ عَظْمٍ،
بَلْ هُوَ وَرْشَةُ نَجَّارٍ قَدِيمٍ،
يَنْحِتُ مِنْ صَمْتِ الْكَائِنِ أَقْوَاساً وَمَرَاكِبَ.

-2-

حَرَسُ الْخَوَاطِرِ
أَقْفَالُكَ لَيْسَتْ فِي الْأَبْوَابِ،
بَلْ فِي مَدَاخِلِ الْفِكْرِ.

كُلُّ لَحْظَةِ شَكٍّ هِيَ حَجَرٌ يُرْمَى فِي بِرْكَةِ رُوحِكَ، تُزَعْزِعُ انْعِكَاسَ الْجَبَلِ عَلَى سَطْحِهَا.

لَكِنَّ الْيَقِينَ نَبَاتٌ طَيِّعٌ، يَتَسَلَّقُ جِدَارَ الْوَهْمِ، وَيَحْمِلُ فِي حَقِيبَتِهِ بُذُورَ الْغَدِ.

لَا تَسْمَحْ لِلرِّيحِ الْعَابِرَةِ أَنْ تَقْلَعَ أَشْجَارَ الْإِيمَانِ الَّتِي غَرَسْتَهَا بِكَفِّكَ قَبْلَ أَلْفِ صَبَاحٍ.

-٢-

لُغَةُ الْخَلْقِ الْأُولَى
أَنْتَ لِسَانُ نَبْضِ الْكَوْنِ.
كَلِمَاتُكَ لَيْسَتْ حُرُوفاً تَذْرُوها الرِّيحُ،
بَلْ مَسَامِيرُ تُثَبِّتُ أَسْمَاءَ الْأَشْيَاءِ فِي مَكَانِهَا.

عِنْدَمَا تَهْمِسُ: “أَنَا ضَعِيفٌ”،
تَكْتَسِي الْجِبَالُ ثَوْبَ الْغُيُومِ وَتَخْتَفِي.

وَعِنْدَمَا تَصْرُخُ: “أَنَا إرَادَةٌ”،
تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْ بُحَيْرَةِ ضَوْءٍ.

تَذَكَّرْ أَنَّكَ تُرَسْلُ إِلَى نَفْسِكَ..
فَأَجِبْ نِدَاءَكَ بِالْفَتْحِ.

عُيُونٌ تَرَى الْوَجْهَ الْآخَرَ لِلْحَائِطِ
الْعَقَبَاتُ لَيْسَتْ سُدًى..
إِنَّهَا وَجْهٌ آخَرُ لِلنِّعْمَةِ.

الْمَشْكِلَةُ كَالْكُرَةِ بِيَدِ طِفْلٍ:
لَهَا وَجْهٌ وَاحِدٌ يَرَاهُ الْجَاهِلُ،
وَأَلْفُ وَجْهٍ يَرَاهَا الْعَارِفُ.

لَا تَقِفْ أَمَامَ الْجِدَارِ كَالْعُصْفُورِ الْخَائِفِ،
بَلِ الْتَفِتَ حَوْلَكَ:
سَتَجِدُ سُلَّماً مِنْ ضَوْءٍ،
أَوْ نَفَقاً مِنْ نَسِيمٍ،
أَوْ حَتَّى بَاباً سَرِيّاً فِي صَدْرِكَ أَنْتَ.
الْحَلُّ لَيْسَ خَارِجَ الْأَزْمَةِ،
بَلْ هُوَ عَيْنَ الْأَزْمَةِ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا بِعَيْنِ مُحِبٍّ.

-4-

حَرِيرُ الْقُرْبِ
الرُّوحُ كَالنَّبَاتِ:
تَشْرَبُ مِنْ طَبَقِ الْهَوَاءِ الَّذِي تُحِيطُ بِه.

لَا تَسْكُنْ بَيْنَ الْأَنْقَاضِ،
وَلَا تُجَاوِرْ أَصْحَابَ الْقُلُوبِ الْمُعَتَّمَةِ.

اِجْلِسْ فِي حَلَقَةِ النُّورَانِيِّينَ،
حَيْثُ تَتَدَلَّى الْكَلِمَاتُ كَثِمَارٍ ذَهَبِيَّةٍ،
وَيَكُونُ الصَّمْتُ أَعْمَقَ مِنَ الْبَحْرِ.

هُنَاكَ، تَسْتَقِيمُ ظِلُّكَ،
وَتَعُودُ الْحُروفُ إِلَى مَعَانِيهَا الْأُولَى.

-6-

نَسِيجُ الْحَقِيقَةِ
الْوُجُودُ نَسِيجٌ مِنَ الْكَلِمَاتِ.

أَنْتَ تَنْسُجُ بِمِغْزَلِ لِسَانِكَ:
إِمَّا سَجَّادَةَ صَلَاةٍ، أَوْ شَبَكَةَ صَيْدٍ.

لَا تَقُلْ: “الْحَياةُ قاسِيَةٌ”،
فَتَنْسَابَ الْقَسَاوَةُ فِي عُرُوقِ الْأَيَّامِ.

قُلْ: “أَنَا أَبْنِي جَنَّتِي بِكَفَّيَّ”،
فَتَنْبُتَ الْأَنْهَارُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِكَ.

كَلِمَةُ “الْأَمَلُ” لَيْسَتْ مَجْرَدَ حَرْفٍ..
إِنَّهَا مِفْتَاحٌ يَدِيرُ قُفْلَ الزَّمَنِ.

-7-

دَرْبُ الْخَسَارَةِ الْمُظْفِرَةِ
السُّقُوطُ لَيْسَ نِهَايَةَ الطَّرِيقِ،
بَلْ هُوَ قِرَاءَةُ خَرِيطَةٍ بِطَرِيقَةٍ أُخْرَى.

الْفَشَلُ كَالْوَرَدَةِ الَّتِي تَسْقُطُ عَلَى الْأَرْضِ:
لَيْسَتْ مَيْتَةً، بَلْ مُعَانَقَةً جَدِيدَةً لِلتُّرْبَةِ،
لِتُنْتِجَ وَرَدَةً أَجْمَلَ.

لَا تَنْظُرْ إِلَى الْكُؤُوسِ الْمُحَطَّمَةِ عَلَى الْأَرْضِ،
بَلِ اسْمَعْ رَنِينَها:
إِنَّهُ يُغَنِّي لَكَ بِقُدُومِ كَأْسٍ أَكْبَرَ.

الْمَائِدَةُ الْإِلَهِيَّةُ لَا تَخْلُو مِنَ الْقَصْفِ.
لَكِنَّ الْقَصْفَ نَفْسَهُ يَحْمِلُ رَائِحَةَ الْوَجْبَةِ!

فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَبْنِيَ عَالَماً،
فَابْدَأْ بِقَلْبِكَ.

وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَهْدِمَ سَجْناً،
فَابْدَأْ بِفِكْرِكَ.

الْحَقِيقَةُ لَيْسَتْ شَيْئاً تَصِلُ إِلَيْهِ..
بَلْ هِيَ عَيْنُ الطَّرِيقِ الَّتِي تَمْشِي عَلَيْهَا.

وَأَنْتَ.. لَسْتَ مُسَافِراً فَقَطْ..
أَنْتَ الطَّرِيقُ وَالْمُسَافِرُ وَالرِّحْلَةُ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى