رؤي ومقالات

حمزه الحسن يكتب :المجتمع العاري

في مناسبات كثيرة طرح عليّ هذا السؤال:” كيف توقعت قبل الاحتلال أن يُحكم العراق لو سقط النظام بحرب أو بلا حرب ، من قبل نخبة فاسدة؟”ليس هناك صعوبة في الاجابة على هذا السؤال: عندما تكون بلا مصلحة ترى أوضح وأدق وأعمق لأن المصلحة حجاب.
عندما تكون يتيماً في مجتمع يحسب الف حساب للسلالة والقوة والنسب والعشيرة وليس للكفاءة والموهبة والنزاهة، سترى بعينين مفتوحتين حجم الزور والأقنعة وترى الجحيم البشري.
عندما تكون بلا ولاء ولا انتماء لأحد لغير الحقيقة، ترى ما لا يرى، وتبصر ما لا يبصرون خاصة في مناخ العزلة عن الضجيج والتفتح في مكان آمن.
قبل الاحتلال كانت صورة المستقبل، أي اليوم، واضحة جداً، فمن تجارب العراق القاسية وتاريخه ومن تجارب المنفى في دول عدة من ايران الى سوريا، ومن النرويج الى دول أوروبا الشرقية والدول الاسكندنافية، ومن متابعة حياة الفارين من الدكتاتورية وأحلامهم تأكد أن النظام القادم سيحكم من نخب فاسدة.
لذلك قالوا عنا في حملات مرتبة وتوجيهات أكثر مما قيل عن الشاعر الحطيئة حتى انني وجدت مئات السير الذاتية لي وصرت استمتع بها عن زيارات مدن وعصابات ومخابرات وعلاقات وحوادث لم اسمع بها وتمنيت فعلا لو انها حدثت لانها بالفعل خيال حشاش حتى كتب احدهم يوما انه شاهدني في تكساس في قبضة عصابة وانقذني بشجاعته الخارقة وانا لم ازر تكساس من غير معارات سوقية بلغة حثالات زبائن الحانات الرخيصة تمشي بين الغوغاء والسذج والعوج والغلط وفاقدي الاستقلالية الشخصية صادرة من مكتب التشهير لحزب ثورــــ ي طبقي تاريخي معروف بهذه العاهات ضد كل المثقفين المختلفين معه عبر تاريخه الذين تركوه اليوم بعد افلاس المشروع وافلاس اللغة.
اذا كانت وجهة نظر متخيلة في المنفى اقتضت هذا الصخب والهياج والصبيانية ، فكيف سيفعل هؤلاء لو استولوا على سلطة يوما؟ من غير المعقول ألا يحق للانسان الحق في الحياة والحق في التخيل وتوقع المستقبل؟ هل هو عطب لغة؟ أم عطب معرفي؟ أم عطب أخلاقي؟ كل ذلك توضح بعد الاحتلال.
مفهوم النخب الفاسدة أو الطبقة الفاسدة صار اليوم من المفاهيم الشعبية السائدة وقلائل يعرفون اننا أول من توقع ، قبل الاحتلال بسنوات، أن تتحول معارضة نظام صدام حسين الى نخبة فاسدة وشرحت صفاتها أيضاً،
وفي عام 2000 عام صدور هذه الرواية: “عزلة أورستا: سرقوا الوطن، سرقوا المنفى”.
من صفات سلطة اليوم وكانت معارضة كما في الرواية:
1 : يتحول الناس الى غرباء 2 في وطن مسروق 3 ومن قبل ضباع الفطايس المنتظرة 4 وهؤلاء سيفتحون ابواب السجون بدل ابواب الامل 5 لكن تحت رايات وعناوين جديدة 6 وهذه النخب الفاسدة غير قادرة على ادارة مشروع التغيير”
في صفحات أخرى:” هؤلاء سيسرقون كل شيء، الأضرحة والمنائر والأشجار والقبور والكنائس والخ”.
وفي رواية” سنوات الحريق” الصادرة عام 2000 عبارات كثيرة عن المستقبل مثل: ” اذا كنتم تمثلون المستقبل، فستكون جلودنا أحذية” صار فعلاً أحذية.
لم تكن نبوءة كما يظن البعض بل كنا نشم رائحة هؤلاء في المنافي ،
كان مرورهم في شوارع المنفى يترك رائحة كرائحة ثلاجات الموتى.اقتربنا منهم من طهران ودمشق واوروبا والدول الاسكندنافية،
من منطقة تفكير خارج السرب،
ولم نجد فرقاً بين يميني ويساري والكل يفكر في الانتقام بلا مشروع دولة ولا أي خطة لليوم التالي، بل كانت قوائم الاغتيالات جاهزة من الثمانينات خلال الحرب العراقية الايرانية واطلعت عليها مع صديق صحافي في مقر حزب نافذ اليوم طبقت حرفيا بعد الاحتلال،
على أمل سقوط النظام في الحرب والقيام بحملة تصفيات واغتيالات حدثت بعد الاحتلال.
في قصة الامبراطور العاري أو ملابس الإمبراطور الجديدة (بالدنماركية: Kejserens Nye Klæder) هي قصة قصيرة للكاتب الدنماركي هانس كريستيان حيث خرج الامبراطور عارياً في الشارع وهو يعتقد أنه يرتدي بدلة فاخرة بعد أن أقنعه محتالان بذلك وحتى الحاشية الانتهازية لم تخبره بالحقيقة في أنه لا يرتدي شيئا، الجمهور صفق للبدلة العجيبة التي لا وجود لها لكن طفلاً خرج من بين الجمهور يقول:
” ان الامبراطور لا يرتدي شيئاً”.
الكتابة في زمن المنعطف أن ترى في الظلام، خارج الضجيج والاحتفالات، خلف مظاهر الأشياء، لا أن تصف الخراب بعد وقوعه، لأن الرؤية الاستباقية جوهرية في عمل المثقف والكاتب.
أخلاق الكاتب أن يكشف المستقبل لا يصف الخراب الذي يعرفه الناس.
العمى الفكري والكراهيات وغياب صورة المستقبل وثقافة سياسية انشائية سطحية والعقائد الصلبة ، وعقلية الثأر والانتقام، ومصالح الخارج هو من صنع صورة اليوم، وجعل هذا الشعب كجمهور الامبراطور المغفل، يهتف للنخبة الفاسدة.
كنا بحاجة لطفل كريستيان ليكشف لنا أن الجميع كان عارياً: الحاشية والامبراطور والجمهور المنافق. الأطفال يرون بوضوح لكننا نعميهم في المدارس والبيوت في نوع من الضبط كما في المصحات العقلية ونقتل تلك الرؤية الثاقبة العفوية في رؤية الأشياء كما هي.
ما ينطبق على معارضة صدام حسين وسلطة اليوم ينطبق على معارضة اليوم المنظمة وليس الجمهور العام المبعد والمقصي عن القرار والاختيار والمسؤولية، وكما سرقت معارضة صدام حسين الوطن والمنفى، فسيسرق القادمون ما تبقى لان الصراع في الجوهر صراع على السلطة والثروة بعناوين الاصلاح المزيفة لحشد الجمهور، ومن لا يصدق عليه الاصغاء لبرامج التلفزة المبشرة والمنتظرة والمتشوقة لإحتلال أمريكي أوسع وعلني أكثر مما هو الاحتلال اليوم المغطى بعناوين.
ــــــــــــــ ملاحظة: لن يجد القارئ خبراً في أي صحيفة عراقية اطلاقاً عن هذه الرواية ولا أية رواية لنا مع ان الصحف ضاجة بالتمادح الرخيص المتبادل وحسنا يفعلون لان نخب الثقافة ونخب السياسة عقلية واحدة والاستثناء نادر. يستطيع الكاتب اليوم ان يصل القارئ في كبسة زر بلا وسيط او ناقد وزمن التعتيم والمصادرة والاقصاء انتهى الى الابد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى