ثقافه وفنون

المكتبة الوطنية في عمان تشهد إشهار ديوان ” الزيارة انتهت ” لـ أسامة فخر الدين

في أمسية ثقافية امتزج فيها الشعر بالتحليل النقدي والموقف الوطني، شهدت المكتبة الوطنية في عمان الاردنية حفل إشهار ديوان “الزيارة انتهت” للشاعر الفلسطيني أسامة فخر الدين، الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون”.

الأمسية، التي أدارها الروائي والإعلامي أحمد الطراونة، وأعلن فيها القاص والناشر جعفر العقيلي عن مبادرة دار الآن ناشرون وموزعون الإبداعية لأبناء غزة، تحولت إلى منبر لإعادة قراءة الذاكرة الفلسطينية ومساءلة الهوية في ظل واقع عربي مأزوم، وذلك عبر مداخلات نقدية قدمتها الكاتبة إيمان زيادة والباحث الدكتور فوزان العبادي.

الكاتبة إيمان زيادة قدمت ورقة نقدية معمّقة، اعتبرت فيها الديوان امتداداً ناضجاً لمشروع الشاعر الشعري الذي ينهض على استعادة الذاكرة، وذلك بعد مجموعتيه السابقتين “ولو بعد حين” و”علم وثوب وكوفية”.

ورأت أن عنوان الديوان “الزيارة انتهت” يمثل عتبة دلالية مكثفة، تحمل مفارقة مريرة؛ فهو لا يرمز فقط إلى الوجود الصهيوني المؤقت، بل يعكس أيضاً “الوجود الفلسطيني المهدد بالغياب، كإقامة مؤقتة ومؤرقة في وطن لم يعد يضمن الديمومة”.

وأشادت زيادة بلغة الشاعر التي وصفتها بالنابضة “بالبساطة والعمق”، وهي عاميّة فلسطينية أصيلة تحافظ على “نكهة التراب” وتتخذ قصائده شكل “المشهد الدرامي، فيما يشبه مسرح الذاكرة”.

ولفتت إلى أن السخرية المرة في نصوصه ليست وسيلة للتخفيف من الألم، بل استراتيجية لمواجهته، مما يخلق جمالية “الضحك المبلل بالدمع” التي تعيد صياغة صورة الفلسطيني ككائن يصر على الحياة.

وفي تحليلها للموسيقى الشعرية، أوضحت زيادة أن فخر الدين لا يتقيد بالوزن التقليدي بل يوظفه كطاقة إيقاعية تنبع من نبض الحياة اليومية، من “صوت الأذان، وقع الأقدام على رصيف المخيم، وصدى الحجارة”. وتتأسس موسيقاه على مستويين: إيقاع خارجي يعتمد التكرار والجرس الصوتي لتجسيد الإصرار، وإيقاع داخلي ينبع من “النَفَس العاطفي” الذي يتبدل كمرآة للحالة النفسية. وخلصت إلى أن الديوان يؤكد أن الشعر، في أقصى حالاته، “ليس ترفاً لغوياً، بل شكل من أشكال البقاء”.

ومن منظور يمزج بين التحليل السياسي والنقد الثقافي، قدّم الدكتور فوزان العبادي قراءته للديوان، مؤكداً أنه في زمن تتسارع فيه الأحداث، يأتي صوت فخر الدين ليذكرنا بأن “الشعر لا يزال قادراً على أن يكون موقفاً وصرخة، لا مجرد كلمات منمّقة”.

وأوضح العبادي أن الشاعر ينتمي إلى جيل يرى في “القصيدة سلاحاً ثقافياً، وفي الكلمة ساحة مواجهة لا تقلّ شرفاً عن الميدان”. ورأى أن هذا الديوان يظهر نضجاً أكبر في رؤية الشاعر، حيث يربط ببراعة بين التجربة الفردية والهم الوطني.

وأضاف العبادي أن ما يميز “الزيارة انتهت” هو تجسيده لفلسطين “كحقيقة حيّة تنبض في كل بيت”، متنقلاً بين مشاهد الغربة والفقد والعودة المؤجلة ليصوغ لوحة تجمع الحنين بالغضب. وشدد على أن الشاعر لا يكتفي بوصف الألم، بل يرفض الاستسلام له، متجنباً الخطاب الشعاراتي المباشر لصالح “لغة إنسانية تحتضن اليومي والعادي لتصنع منه معنى المقاومة”.

وبهذا، فإن قصيدته “تشبه الناس وتتحدث بلسانهم”، لكنها تحمل وعياً عميقاً بالهوية. وخلص العبادي إلى أن الديوان يوازن بنجاح بين “الجمال والالتزام”، معيداً للشعر وظيفته الأصيلة: “أن يكون ضميراً حياً في وجه النسيان”.

أما شاعر الأمسية، أسامة فخر الدين، فقدّم شهادته الشعرية بكلمات مؤثرة، موضحاً أن فلسطين التي وهبها مسيرته الشعرية “تستحق منا كل شيء”. وعن سر العنوان، قال: “يقيني بأن احتلال الصهاينة لبلادي قد طال، وآن أوان رحيلهم، وهكذا نستطيع أن نقول لهم بملء أفواهنا: الزيارة انتهت”. وأضاف أن وجودهم لم يكن مقبولاً يوماً ولولا تواطؤ الغرب لما استطاعوا سرقة هذه المدة من أعمارنا.

واختتم فخر الدين الأمسية بإلقاء مجموعة من قصائده التي تفاعل معها الجمهور بحرارة، ومنها قصيدة “ليش يا فلسطين زعلانة”، التي يقول في بعض أبياتها:

بعد ما العالم كلّه نسانا

وقضيَّتنا فوق الرَّف صار مكانا

وأمِّتنا مقهورة ووجعانة

بيسألوكي ليش يا فلسطين زعلانة

العالم هلّأ صار حاسس شو وجعنا

وكلّه بيهتِف: “من النّهر للبحر” معنا

وما بنترك.. احنا في بلادنا انزرعنا

وما حننسى دير ياسين وبحر البقر وقانا

صهيوني فكَّر رح يجيب الدِّيب من ديلُه

وفي الحقيقة فشل انهزم ويا دِلّه ويا ويلُه

والغزَّاوي اسم الله عليه شادد لي حيلُه

وغيَّر مجرى التَّاريخ من يوم الطُّوفانا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى