بين المعنى والظلّ…. بقلم: كريم لمداغري

حين نصبح شيئًا غامضًا، كأننا سقطنا من حسابات المعنى، وعلِقنا في هوامش الوجود.
نحمل منّا ظلالًا باهتة، لا تصلح لقياس وجعٍ يتجاوز اللغة، وجعٍ يتسلّل إلى تجاويف الروح، حيث يعجز الجسد عن الشكوى.
نعيش في متاهةٍ لا ترسمها الجغرافيا، بل تصوغها المسافة بين الذات وما تبقّى منها.
نجرّ خلفنا أحلامًا يابسة، كأوراق خريفٍ لم تجد شجرةً تؤويها، ونحاول لملمة شتاتنا في عالمٍ لا يمنحنا حتى رفاهية الانزواء.
يُطلب منّا أن نكون أقوياء، أن نبتسم رغم الانكسار، أن نؤدّي أدوارًا لا تشبهنا.
فنغدو ممثلين في تراجيديا عبثيّة، نُصفّق لانهياراتنا، ونُصفَد بخيوط التظاهر.
نموت كلّ يومٍ ألف مرة، لا لأننا نُسحَق، بل لأننا نُجبَر على الاستمرار في لعبةٍ بلا قواعد.
نلعق جراحنا، لا لنشفيها، بل لنُذكّر أنفسنا أننا ما زلنا نشعر، وما زال فينا ما يتألم.
قال كامو: “في أعماق الشتاء، اكتشفت أن بداخلي صيفًا لا يُقهر.”
ربما هذا الصيف هو ما يدفعنا للاستمرار، رغم كلّ ما يبدو عبثيًا، رغم كلّ ما يلوّح باللاجدوى.
وفي لحظة صفاءٍ نادرة، ندرك أن الهروب ليس ضعفًا، بل محاولةٌ أخيرة للنجاة.
أن الاختفاء ليس خيانةً للذات، بل بحثٌ عن ذاتٍ أعمق، عن جُحرٍ داخليّ نلوذ به من ضجيج العالم، لنصغي إلى صوتنا الحقيقيّ، ذاك الذي لا يُسمع إلا في الصمت.
قال نيتشه: “من لديه سببٌ للعيش، يمكنه تحمّل أيّ كيف.”
وربما هذا السبب، مهما بدا ضئيلًا، هو ما يجعلنا نتسلّق الأسوار، لا لنبلغ السماء، بل لنرى ما وراء الجدار، علّنا نلمح حلمًا لم يدهسه الواقع بعد.
فنصغي إلى صدى الأمل، ذلك الصوت الخافت الذي يوقظ فينا معنى البقاء،
ونؤمن، رغم كلّ ما انكسر، أن في هذا الكون ما يزال شيءٌ يستحقّ أن نُحاول لأجله مرةً أخرى.







