رؤي ومقالات

حمزه الحسن يكتب :أسطورة الرجل القوي

في كل مرة تتكرر حكاية الرجل الشريف والنزيه والقوي والبعض يضيف لها الكارزما كما لو اننا أمام مواصفات عريس وليس مسؤول دولة مع ان الدولة لا يحكمها الشرف والنزاهة بل يحكمها القانون حتى في الدول الديمقراطية،
لأن السلطة السياسية تجمّع لأطراف متناقضة ومختلفة وتفسيرها للشرف والضمير والعدل والحقيقة يختلف باختلاف المواقع والمصالح،
لذلك قال ألبير كامو” الدولة والضمير أمران متناقضان”.
الدولة كيان بلا أخلاق لكن بأعراف وتقاليد سياسية وقانونية ورقابة شعبية صارمة ومستمرة ونحن نتحدث عن الدولة الشريفة بعقلية قبلية ولا نتحدث عن الدولة المثقفة تماماً كما نظرة الشرقي للنساء لانه لا يعتبر الثقافة جزءاً من الشرف باعمق معاني الشرف مع أن المعرفة والذكاء والخلق والابداع والعلم وحيوية الضمير والعدل والانصاف والنبل والذوق والرهافة هي من صفات الشرف.
الدول ليست مؤسسات أخلاقية بل دستورية وقانونية وتحكمها السلطات الثلاث وليس أخلاق المسؤولين المختلف عليها ولا أخلاق خيمة الشعر أو المضيف ومن الواضح ان الخيال العربي لا يزال متجذراً في قواعد تلاشت من على وجه الأرض.
كل الذين حلموا بدولة وطنية قوية وعادلة ونزيهة تحولوا في السلطة الى طغاة شرسين لأن الحلم نقاء وصفاء في حين الدولة تسويات وصفقات وتنازلات ودهاليز ومراوغات.
في السلطة ينتهي حلم الثورة لكي تبدأ مناورات وألاعيب ومراوغات الدولة.
بدل حلم الرجل النزيه والشريف والقوي لماذا لا يكون الحلم بمؤسسة نزيهة وشريفة وقوية محمية بالقانون واعراف تداول سلطة؟
أزمة هذا النظام مغلقة لأن حلها ليس من داخلها.
هي ليست مشكلة ولا حدثاً عابراً، ليست كارثة طبيعية ولا ورطة سياسية،
كل هذه لها حلول من داخلها،
لكنها أزمة مغلقة ومأزق نظام دائري تكراري وحلقة مفرغة مع أن مفهوم النظام السياسي لا ينطبق على سلطة اليوم، لأن السلطة موزعة في الأطراف ولا تُحكم من مركز بل مراكز خارجية ومحلية متناقضة المصالح.
وصلت السذاجة العقلية حد المطالبة برئيس وزراء شريف وحازم وقوي ـــــــــــ ولا ندري لماذا تم استبعاد المطالبة بامرأة حازمة وشريفة وقوية ؟ الثقافة الذكورية لا تضع هذه الصفات في المرأة ــــــــــ. لا مشكلة ويمكن تقديم المرشح، ويتم قبوله لكن بنوع من الدهاء وخلال أقل من شهر يمكن ببرنامج إفساد منظم تحويله من قديس إلى ضارب طبل،
ومن ملاك إلى شيطان ومن زاهد الى نصاب،
ومن محتشم في الزي الى شخص يمشي في الشوارع بالمايو بقميص مفتوح مطرز وردة.
الرجل الشريف والحازم والقوي يحتاج الى بيئة ومناخ ومؤسسات ساندة وداعمة والى محكمة عليا مستقلة،
ونخبة ثقافية مستقلة واعلام نزيه وتقاليد في العمل السياسي، وطبقة سياسية رصينة وليست هذه الطبقة لأن السمك لا يسبح في الرمل. السلطة تحدث تحويرا وجودياً ونفسياً وبنيوياً في عقل الحاكم القافز لها من الفراغ ولا يعود هو نفسه يوم دخل القصر الرئاسي،
لهذا السبب وفي كل مرة يطالب الجمهور المسؤول بالعودة الى رشده والى وعوده والى ضميره كمطالبة عقرب في التوقف عن انتاج السم لان هذا في صميم تصميمه الجسدي ولو أقسم بكل القيم والمبادئ.
لكي يكون عادلاً وقوياً ونزيهاً يجب أن تكون هناك بيئة وقانوناً،
عكس ذلك ستكون القوة والنزاهة والشرف مغامرة خطيرة وسيكون مصير الرجل الشريف والقوي والحازم هو التالي:
بعد أداء القسم بالقرآن والدستور والزاد والملح، ستنتظره في اليوم الثاني دعوة لزيارة الولايات المتحدة، لا أحد يعرف من رتبها وهناك في الغرف المغلقة تدور أحاديث وتسويات وصفقات سرية،
يأتي من الولايات المتحدة ليجد دعوة من فرنسا والمانيا وايطاليا،
لبحث علاقات التعاون والصداقة ومستقبل العراق كما في عناوين الدعوات،
وهذا ما فعله صدام حسين مع نائب رئيس الجمهورية الكردي طه محي الدين حيث جعله يقضي حياته في الطائرة،وما أن تستقر به في مطار حتى ينتظره آخر.
ما أن يعود الشريف والنزيه الى أرض الوطن متعباً، تنتظره مناشدة ملحة من البرلمان لقضاء عطلة في جزر هاواي، طبيعة إستوائية وفيلاّ ساحرة على البحر،
ومناخ إستوائي وساحل للعراة، المتوقع أن منتجع ترافسا هانا هو المكان المطلوب،
لما يتمتع به من خصوصية ويمكنه القيام بكل ما يحلم أولا يحلم به
دون حاجة للكشف عن هويته في جو من الأمان المطلق أو زيارة ” ودية” الى دبي.
يمكن لرئيس الوزراء الشريف والنزيه والقوي أن يرتاح
من العمل من أجل الجماهير بمساعدة عاملة خدمة سويدية شقراء تتولى تنظيم فراش النوم، وأخرى روسية بيضاء كالثلج للتدليك الليلي قبل النوم،
وثالثة سمراء هندية بلون القمح تحت صيف مشتعل،
وهذه لشؤون الطبخ والاعمال الخاصة وتنظيف الاعضاء “السياسية”
بأدوات مذهبة ومنعشة.
عندما يستيقظ في الصباح ويفتح حسابه المصرفي يجد ملايين من الدولارات دخلت الحساب من الدولة كنفقات سفر أو عمولات بجهود الأشقاء والأصدقاء والحاشية والأعوان.
عند عودة الرجل الشريف من الرحلة، يصدم وهو في السيارة في الطريق الى القصر الرئاسي بوجود حفر شوارع ونفايات وأطفال مزابل،
فيسأل سائقه مستغرباً:
” ما إسم البلد الذي أنا رئيس وزراء فيه؟”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى