د.فيروز الولي تكتب :اليمن… حين ينهض كطائر الفينيق من بين رماد الحوثي وإرث صالح!

في اليمن، لم يعد المشهد السياسي أزمة عابرة، ولا خلافاً بين أطراف تتصارع على إدارة دولة حقيقية… بل تحوّل إلى عرض درامي طويل: أبطال متكررون، حوار ممل، ونهاية يعرفها الجميع منذ الفصل الأول.
ومع ذلك، يصرّ الجميع — الحوثي، والشرعية، وبقايا منظومة صالح — على تسويق أنفسهم بوصفهم الأحق بحكم هذا البلد، رغم أنهم هم من دفعوه إلى حافة الاندثار.
لكن ما يغيب عن هؤلاء هو أن اليمن، رغم رماده الكثيف، يمتلك قدرة أسطورية واحدة:
أن ينهض دائماً كطائر الفينيق… لا بفضل السلطة، بل رغماً عنها.
نفسياً: عقدة “الأحقية” التي تصنع جحيماً سياسياً
لا أحد في الساحة اليمنية يرى نفسه جزءاً من المشكلة.
الحوثي مقتنع أنه “المخلّص”، الشرعية مقتنعة أنها “الممثل الوحيد”، وبقايا حقبة صالح مقتنعة أنها “الخبرة التي لا تُستبدل”.
هذه الحالة النفسية ليست مجرد عناد… إنها متلازمة سلطة:
أنا أحق… حتى لو سقطت البلاد.
أنا أحق… لأنني قلت إنني أحق.
وما دام هذا التفكير يحكم، فكل مسار سياسي يتحول إلى جدار إسمنتي.
اجتماعياً: شعبٌ يُسحق… لكنه لا يُكسر
اليمنيون اليوم يعيشون حياة لا يمكن أن تُكتب إلا في الأعمال الدرامية الثقيلة:
▪️ فقر،
▪️ انقسام،
▪️ نزوح،
▪️ حصار،
▪️ وواقع اجتماعي يطحن الإنسان طحناً.
ومع ذلك، يواصل هذا الشعب فعلاً لا يفهمه السياسيون:
العيش.
ليس صموداً عادياً… بل صمود يشبه نفض الغبار عن جناحين محروقيْن في انتظار لحظة الانطلاق.
ثقافياً: هوية مختطفة لصالح الشعارات
الثقافة اليمنية — الزاخرة بالشعر والموسيقى والتاريخ — اختفت خلف جدران الشعارات:
شعار يعبّئ،
وآخر يجنّد،
وثالث يبرر،
ورابع يهدد.
أصبحت الثقافة سلاحاً، لا وسيلة نهضة.
وهذا ليس مجرد تراجع… بل عملية دفن تدريجي للوعي اليمني، كي تبقى السلطة وحدها المخرج الوحيد للمشهد.
اقتصادياً: بلد ينهار بينما يتجادل المتصارعون على الفتات
الاقتصاد اليمني لم يعد ينهار…
لقد انهار بالفعل.
▪️ العملة تنهار كما ينهار جدار من ورق.
▪️ الرواتب صارت قصة من الماضي.
▪️ الموارد تدار بمنطق “الغنيمة”.
▪️ المساعدات الدولية تتحول إلى صناديق انتخابية، لا مشاريع حياة.
النتيجة؟
شعب على حافة الجوع… وسلطة على حافة التخمة.
ودائماً — في النهاية — يتهمون الشعب بأنه “غير متعاون”.
عسكرياً: السلاح سيّد… والدولة شبح
اليمن يشهد أغرب مشهد عسكري في القرن الواحد والعشرين:
▪️ جيوش متعددة لا تتفق على عدو واحد،
▪️ مليشيات تتقاسم الجبهات،
▪️ ولاءات تتغير مع تغيّر الطقس.
السلاح هو الذي يقرر… لا السياسة.
وصانعو القرار لا يقررون سوى شيء واحد:
استمرار الحرب لأنها مصدر القوة الوحيد المتبقي لهم.
سياسياً: صراع على عرش بلا كرسي
الحوثي يرى نفسه الدولة.
الشرعية ترى نفسها الدولة.
ورثة نظام صالح يرون أنفسهم الدولة.
بينما الدولة — الحقيقة —
تحولت إلى ذكرى وطن كان هنا يوماً ما.
السياسة اليمنية اليوم تشبه سباقاً بين ثلاثة متسابقين، كل واحد منهم يقسم أنه الأول… بينما الطريق كله أصلاً مسدود.
دبلوماسياً: اليمن كورقة مساومة
الإقليم يتعامل مع اليمن كملف أمني،
والعالم يتعامل معه كمنصة نفوذ،
وكل الأطراف تتحدث عن “السلام” كما يتحدث تجار السلاح عن “وقف العنف”:
حديث ناعم… ونوايا حادة.
لا أحد يسأل:
ماذا يريد الشعب؟
بل يسألون:
كيف نضبط اليمن حتى لا ينفجر؟
والسؤال الأهم:
هل سينجون من انفجار الفينيق إذا نهض؟
الخلاصة: رماد كثير… وفينيق واحد
اليمن اليوم يشبه رماداً كثيفاً يغطي كل شيء:
رماد الحوثي،
رماد الشرعية،
رماد إرث صالح،
رماد الإقليم،
ورماد العالم.
لكن تحت هذا الرماد، هناك شيء واحد لا يستطيع أحد إطفاءه:
روح الشعب اليمني.
حين ينهض اليمن — كطائر الفينيق — فلن ينهض لأن السياسيين أرادوا…
بل لأنه شعبٌ تعلّم أن يخلق الحياة من الرماد.
وحين ينهض هذا الفينيق…
لن ينجو أحد من التغيير.







