قرار المسعود يكتب :الخريطة السياسية في الجزائرالجديدة

المتتبعون لتحول و نهضة البلاد في عهدها الجديد، يرون و يسمعون ويشاهدون، هذا التغيير على كل الأصعدة بنسب متفاوتةٍ و مرضيةٍ إلا جانب النشاط المتمثل في ترتيب الأجندة المتعلقة بتحيين الرؤى الخاصة بمشروع المجتمع من طرف الجمعيات أو الأحزاب السياسية رغم ما بادرتْ بِهِ السلطة.
هذه ملاحظة، من مقارنة نشاط هؤلاء بصفة عامة و من متابعة برنامج الطاقم الحكومي و توعية الفرد التي ما زالتْ لا تُلبي و لا تساند الجانب التنموي للبلاد و بقيت محصورة و لم تخرج من بوتقة الانتخابات إلا في أثناء مرحلة الإستحقاقات وبدون برامج و رؤية يتطلع لها المواطن او المنخرط في توعيته و تحسيسه و ما هو عائد بالفائدة في القضايا العامة للبلاد داخليا و خارجيا، كأن هؤلاء في سبات حسب تقديري إلا في بعض الأحداث و المناسبات القليلة بعيدا عما يحدث من محطات إيجابية أو سلبية أو بإعطاء موقف فيها سواء كانت خاصة بالداخل أو الخارج.
هناك مَنْ يقول هذا راجع :
-لقلة تجربة الممارسة السياسية نظرا لطبيعة نشأة البلاد الفتية.
-الإيمان بوضع برامج إستقطابية حقيقية بدل من الإنتظار بالتهريج من أجل الظفر بالمناصب خلال الحملات الانتخابية
-تفتح أكثر في حرية الرأي مقارنة بوعي الناخب
-فرض نمط حسب الواقع الذي عاشته البلاد حتى الآن.(العشرية السوداء) مثلا.
-فتح المجال السياسي تدريجيا تماشيا مع الوعي الإيديولوجي للمواطن و الناخب و النخبة السياسية على حد سواء.
اليوم و بعد ثلاثة و ستين سنة و بعد الأخذ و الرد و أكثر من خمسة رؤساء تعاقبوا على البلاد و أحداث متعاقبة عرفها الوطن، يمكن أن يكون جرد تلقائي للمجتمع في رؤية تستمد من المبادئ الأساسية للمجتمع التي ضحى من أجلها و تحصل على إستقلاله و تكون لا شرقية و لا غربية و تتماشى مع الواقع و ما يقتضيه العالم الحالي من مؤشرات و تحويل. كمواطن أرى، أنه يتحتم في هذه المرحلة التي نحن مقبلون فيها على إستحقاقات أن تكون مراجعة من طرف الأحزاب الموجودة و التي تريد دخول هذا المضمار، لتحيين برامجها و أن يكون طرحها متماشيا مع مسيرة الدولة الحديثة و مكانتها بحسب رؤية أديولوجية مبنية على أسس إستقطابية ثابة مستمدة من جذور واقع المجتمع الجزائري لا غير، حتى يكون ضمان إستمرار برنامج متكامل و متلائم مع الميدان و المجتمع. ربما الحال في هذه الحقبة التي يمر بها التحول العالمي يتطلب إعادة النظر في ترتيب بعض المسائل مع البلدان التي اصبحت تتطلع لفرض مكانتها مع الركب قبل فوات الأوان.
فعهد السياسات المبنية على الظلم و البهتان و التسلط بالتضليل لم يعمر عهدها طويلا و انكشف أمرها و ما عاد الأخذ بها اليوم، و ما تشهده الأنظمة الغربية و غيرها من الرؤية اليمينية من إنهيار يثبت تصاعد الأغلبية الحقيقية المعاكسة لها. هذا ما كان يتنبأ به المفكر الروسي الكسندر دوغينّ في كتاب العالم متعدد الأقطاب : من الفكرة الى الواقع، يرتكز الكتاب على نقد النظام الدولي أحادي القطب الذي تشكّل بعد الحرب الباردة و يبررهذا المفكر أن إعادة تشكيل النظام الدولي يتطلب أن تقوم حضارات متعددة بدور الفاعل السياسي بدل دولة واحدة مهيمنة.
على هذا الضوء، أصبح في بلادنا، يفرض عهد تقديم الخطاب في طرح رؤى شفافة مقبولة و مهضومة على المواطن لا مفروض على إنشغالاته و مطالبه وبواقعية لكون هذا الخطاب المُسوق قد يُلبي طموح المواطنين و ثابت بإيمان على المبادئ المسطرة في البرنامج الموافق عليه لا كما كان في محفظة تتجول حسب المناسبة، و لا تسبح إلا في المياه الغادرة و برامج مستورة لها هدفها.
فالبرنامج المقدم على أساس العدل و الإنصاف يحطم كل ما ينافسه من برنامج أيديولوجي و هو بمثابة الصخرة التي لا تهتز و تكسر كل محاولة تخرج على نطاق الواقع و المنطق. و لو كانت هذه المحاولة مدبرة ومدروسة من خارج هذا النطاق يشبه فن الطريقة التي تسير بها البلاد بشعارالجزائر الجديدة و المنتصرة. فالنمط الحزبي يهدف لتصنيف المجتمع من خلال رؤية إديولوحية و أخذها كمبدأ يناضل عليها فئة من المؤمنين بتلك البرامج. و أما ما يسمى بالمرشح الحر فهو الخارج على كل قيد إديولوجي و يستمد عمله من الواقع الذي يجعله يخطف من كل البرامج الأحزاب تلقائيا و ليس مقيدا بها مما يجره الى رضى المواطن عامة و بالتالي الى تطبيق نظرة شاملة تقارب البرنامج الالهي المعد للبشرية.
تجربة الجزائر في عهد بن بلة و بومدين لم تخضع لحزب و لا للرؤية الإشتراكية بعينها، بل كانت مرحلة محتومة تخرج على النمط الرأسمالي و تقتصر على المرجعية الثورية من خلال شعلة الإستقلال. فمسألة تسلط الأفكار لجلب المجتمع الغربي هي قديمة كانت بواسطة رؤية الكنيسة كبرنامج مسطر و مقدس ينتهجه المجتمع حتى إنهار بإظهار عيوبه و تمرد المواطن من عبودية الكنيسة. جاء عهد الحرية المطلقة و العمل بمبادئ الحرية الفردية كمنهاج جديد (ديكارت و روسو) و تجمعت فئات في رؤية موحدة. (شيوعية – رأسمالية – إشتراكية )، فاتضح اليوم أن كل الطرق التي مرت بها المجتمعات بائت بالفشل و لم تعد واحدة صالحة لكل الأزمنة أو الإختيارات لأن حقيقتها لا يلبي السير الواقعي للشعوب و المجتمعات إلا فئة معينة و تنفي الأخرى التي تبقى تطالب بتحول الوضع حتى تأتيها الفرصة و لا طريقة مثالية تلبي رغبة الجميع لأنها مبنية على رؤية فئة معينة فقط. فأصبحت مختلفة القناعات و الأهواء (ديمقراطية – وملكية – وطنية – إجتماعية – جمهورية -) فانبث منها أنظمة جعلت دول مختلفة الأنماط في نظام التسيير (مالكي متشدد – مالكي ديمقراطي – برلماني – جمهوري – رئاسي متشدد – رئاسي إجتماعي ) كلها أنماط من أجل إرضاء مجتمع ما.







