كتاب وشعراء

إشراقات الخطاب الشعري التقدمي..في قصائد نخبة من الشعراء العرب…..بقلم محمد المحسن

-عبدالرحيم محمود( فلسطين)نزار قباني ( سوريا) محمود درويش( فلسطين) أ-عزيزة بشير ( فلسطين) د-طاهر مشي ( تونس) فاطمة البناني ( تونس)

لطالما كان للشعراء في الوطن العربي دور هام في الحديث عن حقوق الشعوب الضائعة،فكانت القضية الفلسطينية مصدر إلهامهم الأول،فأصدروا لأجلها العديد من القصائد التي كانت رثائية حزينة على واقع الحال تارة،وحماسيّة تحرض المظلومين على استرجاع حقوقهم تارة أخرى.
من الشاعر “المُقاتل” عبدالرحيم محمود حتى شاعر “الأرض المحتلة” محمود درويش،مرورا بنزار قباني والأستاذة عزيزة بشير ووصولا إلى الشاعرين التونسيين د-طاهر مشي والشاعرة السامقة فاطمة البناني..
إليكم أبرز القصائد التي كتبها الشعراء العرب من أجل فلسطين.
-قصيدة “الشهيد” عبدالرحيم محمود
عندما اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى في عام 1936،استقال الشاعر عبدالرحيم محمود من وظيفته كمدرس لغة عربية من أجل الانضمام إلى صفوف المناضل عز الدين القسام ضد القوات البريطانية والصهيونيّة.وخلال فترة تواجده معهم كتب محمود الذي كان يبلغ من العمر حينها 23 عاماً،واحدة من أشهر قصائده التي صوّر بها الروح الحماسية التي امتاز بها المناضلون الفلسطينيون على جبهات القتال،وأسماها “قصيدة الشهيد”:
“سأحمل روحي على راحتي..وألقي بها في مهاوي الردى/فإمّا حياة تسرّ الصديق../وإمّا مماتٌ يغيظ العدى/ونفسُ الشريف لها غايتان../ورود المنايا ونيلُ المنى/وما العيشُ؟ لا عشتُ إن لم أكن..
مخوف الجناب حرام الحمى/بقلبي سأرمي وجوه العداة../فقلبي حديدٌ وناري لظى/وأحمي حياضي بحدّ الحسام..فيعلم قومي أنّي الفتى..”
يذكر أنّ عبدالرحيم محمود استشهد في عام 1947 عندما انضم إلى “جيش الإنقاذ” وخاض معهم العديد من المعارك.
-“أريد بندقية” نزار قباني
بعد نكسة العرب في حرب الأيام الـ6،أخد الشاعر السوري الكبير نزار قباني على نفسه عاتق الدفاع عن القضية الفلسطينية من خلال أشعاره التي طرحها من خلال منظورين مختلفين الأول: حماسي لشحذ نفوس الشباب،والثاني : رثائي لما وصل الحال بها.ومن أشهر قصائده قصيدة “طريق واحد” التي كان لها أثر كبير في نفوس الناس حتّى إنّ كوكب الشرق أم كلثوم قامت بغنائها بعد تلحينها من قبل الموسيقار محمد عبدالوهاب.
ويقول في بعض أبياتها:
“أريد بندقية..خاتم أمي بعته،من أجل بندقية/
محفظتي رهنتها،من أجل بندقية/اللغة التي بها درسنا،الكتب التي بها قرأنا/قصائد الشعر التي حفظنا،ليست تساوي درهماً،أمام بندقية/أصبح عندي الآن بندقية/إلى فلسطين خذوني معكم/
إلى ربىً حزينةٍ كوجه مجدلية/يا أيها الثوار..في القدس،في الخليل،في بيسان،في الأغوار،في بيت لحمٍ،حيث كنتم أيها الأحرار/تقدموا،تقدموا..فقصة السلام مسرحية،والعدل مسرحية../إلى فلسطين طريقٌ واحدٌ/يمر من فوهة بندقية.
-“على هذه الأرض” لمحمود درويش
ليس هناك ماقبل-الخاتمة أجمل من قصيدة لشاعر “الجرح الفلسطيني” محمود درويش،الذي يعتبر أيقونة الشعب الفلسطيني بعد أن أخذ على عاتقه مهمة نقل مأساتهم من خلال قصائده.
ولا شكّ أنّ من بين عشرات القصائد التي كتبها لوطنه،فإن لقصيدته “على هذه الأرض” مكانة خاصة عند محبيه:
“على هذه الأرض ما يستحق الحياة،تردد أبريل، رائحة الخبزِ في الفجر/آراء امرأة في الرجال/ كتابات أسخيليوس،أول الحب/عشب على حجرٍ/ أمهاتٌ يقفن على خيط ناي/وخوف الغزاة من الذكرياتْ./على هذه الأرض ما يستحق الحياةْ: نهايةُ أيلولَ،سيدةٌ تترُكُ الأربعين بكامل مشمشها/ساعة الشمس في السجن/غيمٌ يُقلِّدُ سِرباً من الكائنات..
هتافاتُ شعب لمن يصعدون إلى حتفهم باسمين../
وخوفُ الطغاة من الأغنياتْ./على هذه الأرض ما يستحقّ الحياةْ../على هذه الأرض سيدةُ الأرض،أم البدايات أم النهايات../كانت تسمى فلسطين،صارتْ تسمى فلسطين/سيدتي : أستحق،لأنك سيدتي،أستحق الحياة”.
-“كَمْ منطِقٍ فِيهِ الحقيقةُ تُقلَبُ.. !”للشاعرة الفلسطينية الأستاذة عزيزة بشير.
تعبر هذه القصيدة( كَمْ منطِقٍ فِيهِ الحقيقةُ تُقلَبُ.. !) للشاعرة الفلسطينية المغتربة الأستاذة عزيزة بشير عن كثير من المعاني التي يمكن العثور عليها في المواثيق الحقوقية الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان،وتبدو كأنها إجابة عن التساؤلات التي تحاصرنا في عالم اليوم: إلى أين يذهب الفلسطيني المغترب/ اللاجئ..في زمن مفروش بالرحيل ؟!
“كَمْ منطِقٍ فِيهِ الحقيقةُ تُقلَبُ..!/هذي الحكايةُ والحقيقةُ أغْرَبُ/يَهوَى الرّجوعَ لِقُدسِهِ،فَيُجَنَّبُ!
وهْيَ الغريبةُ تُرْتَشى،لتَوَطُّنٍ/في(قُدسِهِ) في أرضِهِ ..وَتُرَغَّبُ !/تِلكَ الغرابةُ ! كيْفَ ذاكَ يكونُهُ؟ أشَريعُ غابٍ بالدِّماءِ مُخَضّبُ ؟!/-ذاكَ الذي يهْوَى الرُّجوعَ،(مُواطِنٌ )/ليْسَ (اليهودِي) جوازُهُ..
وَمَثالِبُ !/–وهْيَ التي تُغرى ، (فَعَنْهُ غريبةٌ)/لكنْ ( يَهودِي) جَوازُها،فَتُقَرَّبُ !/يا كُلَّ خلْقِ اللهِِ هذِي
قضِيّتي/عدْلٌ أُهَجَّرُ مِنْ بِلادِي، ..أُغَرّبُ!/عَدْلٌ تُدَكُّ بُيوتُنا..وَقُلوبُِنا/وَنَبيتُ كُلٌّ في العَراءِ وَنُضْرَبُ !
وَتُصادَرُ الأرْضُ الّتي …عُرِفَتْ بِنا/ وَنُزَجُّ في عَتْمِ السّجونِ ..نُعذَّبُ !/صُهْيونُ مَهْلاً !ما فَعَلْتَ بِشَعْبِنا؟
وَلِمَ الغريبُ لِأرضِنا…يُسْتَجْلَبُ ؟/ -هذي …حكايَةُ ( لاجِئٍ) وَمُوَطَّنٍ/– كَمْ منطِقٍ فِيهِ
الحقيقةُ ،تُقلَبُ !
الأستاذة الفلسطينية المغتربة عزيزة بشير شاعرة مكسورة بين الغربة والإغتراب،والحضور والغياب،الذاكرة والحاضر،والنسيان والتمدد في عمق التاريخ الفلسطيني الملون بالمواجع،لكن نبرتها على الرغم من هذه الأثقال،ظلت تفاؤلية وتؤسس لغد مشرق مطرز بالنصر المبين.
– أقصَى يُدنَّسُ والأرواحُ تُقتَتَلُ!-د-طاهر مشي
لقد تركت نكبة فلسطين عام 1948 أثراً واضحاً في التاريخ المعاصر،فهي أشد ضراوة وأطول عمراً وأكثر عمقاً،ما جعلها أكثر إثارة لمشاعر الشعراء الذين تركوا لنا تراثاً أدبياً خصباً،يمتاز بالصدق في العاطفة والبراعة في التصوير والسمو في الرؤى.
ولعلّ فلسطين بحضارتها ومعاناة أهلها وخلود هويتها العربية كانت أبرز محاور الإبداع في عدد من قصائد الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي ( أقصَى يُدنَّسُ والأرواحُ تُقتَتَلُ!-نموذجا)هذا الشاعر الفذ ما فتئ شعره يلهج بذكر
فلسطين،ويستغيث الشعوب لنجدة أهلها.
هي فلسطين تاريخ طويل من النضال وإرث خالد من البطولات،وسجل ناصع للشهادة،تتراكم عبر الشعر الذي قيل فيها معاناة الفلسطينيين وأحزانهم النبيلة وصمودهم المذهل..
أقصَى*يُدنَّسُ والأرواحُ تُقتَتَلُ!/ألعيدُ يُقبِلُ والأحزانُ تَتّصِلُ/تكبيرُ،تسبيحُ والأخلاقُ وَالمُثلُ
أذكارُ للّهِ عند الصّبحِ تسمعُها/تُحيِي الفؤادَ وتُبْري مَن بِهِ عِلَلُ/ندعو الإلهَ ونَسْتجديهِ يحفَظُنا/يُحْيي قلوباً بِها الأوجاعُ تعْتَمِلُ/موْتٌ لوالِدِي والأعيادُ قد سَطعتْ/(غزّا) تُبادُ وفيهَا الخَطبُ يكتَمِلُ/رُحماكَ ربّي لتَرفقْ فيهما أبَداً/نصرٌ لغزّا،أبِي الجنّاتُ مُدّخَلُ
فالعيدُ أقبلَ والأبوابُ قد فُتِحتْ/والأيدي تُرفَعُ للخلّاقِ،تبتَهِلُ !/صُهيونُ غوّلَ،يا ربّي لِتُفرِجَها
أقصَى يُدنَّسُ والأرواحُ تُقتَتَلُ!
-“على العهد يا قدس” الشاعرة التونسية فاطمة البناني.
النص الشعري الذي بين أيدينا والمعنون ب” على العهد يا قدس” هو للشاعرة التونسية المتألقة فاطمة البناني،وهو في منتهى الروعة والإبداع،ويغري بالمزيد من القراءة،والتفكيك، ولكن سأكتفي بتقديمه للقراء عساه يداعب ذائقتهم الفنية فيرقصون على ايقاعات كلماته العذبة..إذ يعد الرقص للقارئات والقراء رمزاً حضارياً متوهجاً هذه المرة بدلالة الازدهار ومفعما بعطر فلسطين،إذ تقدم لنا الشاعرة جهداً مضاعفاً في تأصيل البناء النصي الذي عملت فيه على تنمية فضاء الشعرية.
وأشكر الشاعرة المبدعة،على هذا الجمال الأخاذ، في تقديم الشعر بصورة بديعة،وأعتذر عن التقصير بحق النص،فهو يحتاج إلى وقفة أطول وقراءة أعمق.
على العهد يا قدس
زهر الأمل يلبسني/يعطرني ويسعدني/وأفراحٌ قادمةٌ وأعياد/من فلسطين إلى بغداد./وهذي أمُّ المدائن تنتفض،/وصوت الحقِّ مرتفعٌ،/من وادٍ إلى وادٍ./وأحرارُ العالم قد خرجوا/راجمين شياطينَ الأعادي./ومهما راحت أرواح أحبّتنا/ستُنجب
الماجداتُ بناتٍ وأولاداأسودا…وأسيادا
بدمِ الشهيد قد رسموا كلَّ الأمجاد./فيا قدسُ،هلّلي/نحن على العهدِ مهما طال الميعاد.
ساكنةُ القلبِ يا قدسي/وفي العينِ موطنُك/وأنتِ العيد ومرادي.
وتبقى فلسطين عروس المدائن،وحالة عشق لا تقاوم،تفوح بعبق العروبة،وتكتنز بإرث الحضارة،تنبض بدم عروبي دافق،وتلهج بالرغبة الجامحة بعودة أبنائها إليها مهما طال الفراق..
ولا أقول إنّ الرأس تطأطأ أمام الموت من أجل الوطن،بل أنّ الرأس لتظل مرفوعة فخرا بشعب أعزل يؤمن بأنّ الشجرة إذا ما اقتلعت تفجرّت جذورها حياة جديدة،وتلك هي ملحمة الإنبعاث من رماد القهر وهي بإنتظار من يدخلها ذاكرة التاريخ عملا عظيما يشع منارة في المسيرة الظالمة التي تنشر ظلمتها قوى الشر في هذا العالم.
سلام هي فلسطين..إذ تقول وجودنا تقول وجودها الخاص حصرا..فلا هويّة لنا خارج فضائها..وهي مقامنا أنّى حللنا..وهي السّفر..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى