كتاب وشعراء

عن قصة أهل الكهف..بقلم الطاهر عسيسيلة.

تقديم محمد المحسن
تقديم :تتضمن الأبعاد الدينية لقصة أهل الكهف: الإيمان والتوحيد،الصبر على الابتلاءات،الثقة في الله والتوكل عليه،وحفظ الله ورعايته للمؤمنين. أما الأبعاد الفلسفية،فتشمل: الموت والبعث،الزمن وقدرة الله،وكيفية التعامل مع مجتمعات تنحرف عن الحق.وتُعد قصة أهل الكهف (أصحاب الكهف) كما وردت في سورة الكهف من القصص القرآنية الغنية بالدلالات الفلسفية والدينية التي تتجاوز السرد التاريخي إلى فضاءات التأويل والاعتبار. دعونا نتابع القراءة العميقة للأستاذ والباحث الفذ الطاهر عسيسيلة :
“إن قراءتي لقصة أهل الكهف لم تكن محاولة لإلغاء الزمن الموضوعي أو إنكار البعد الإعجازي، بل كانت اجتهادًا في فهم القصة من منظور فلسفي وجودي؛ وهو اختيار منهجيّ واعٍ يستند إلى تراث ثري من القراءات الحديثة للنصوص الدينية.
فقد استلهمتُ في مقاربتي رؤية توفيق الحكيم في مسرحيته الشهيرة “أهل الكهف”،حيث جعل القصة منصة للتساؤل عن معنى الزمن والهوية والحرية.وقد تعامل الحكيم مع النص القرآني لا بوصفه مادة فقهية أو تاريخية،بل بوصفه بنية رمزية تكشف هشاشة الإنسان أمام الزمن،وتعرّي انفصام الوعي حين يجد نفسه في عالم تغيّر دون أن يتغير هو.
ومن جانب آخر،أفادتني الوجودية السارترية—خاصة في روايته “الحرية”-في التفكير في العلاقة بين الإنسان والزمن،وكيف يصبح الإنسان هو مشروعه وزمنه الذاتي،لا الزمن الخارجي الذي تفرضه حركة الكون.فالزمن عند سارتر ليس سنين تُعدّ،بل حالة وجودية تُعاش،وهو ما حاولت إسقاطه على تجربة الفتية.
وعليه،فقراءتي للقصة ليست خصامًا مع الزمن الفيزيائي،ولا إنكارًا لوقائع التاريخ،وإنما هي تجربة تأويلية تتساءل: أيُّ زمن عاشه الفتية فعلاً؟
هل هو زمن السنين الثلاثمائة،أم زمن اللحظة الداخلية التي لم تتجاوز ساعات قليلة في وعيهم؟
إنني أميز هنا بين زمنين:
زمن الكون الذي جرى خارج الكهف،وزمن الوعي الذي توقف داخله.
وهذا التمييز هو جوهر المقاربة الوجودية التي اعتمدتها،إذ تهدف إلى فهم الحالة الشعورية والوجودية للفتية لا إلى إعادة تفسير الحدث الديني نفسه.
ولذلك،فالهدف لم يكن “تفريغ القصة”من بعدها الديني،بل إظهار كيف تفتح القصة القرآنية بابًا عريضًا للتفكير في الزمن والهوية والوجود والحرية،تمامًا كما فعل الحكيم وسارتر،كلٌّ من منظوره.”
تعقيب :
قصة أهل الكهف هي قصة متعددة الطبقات،تقدم للعالم الديني برهاناً على البعث والقدرة الإلهية، وتقدم للفيلسوف والمفكر مادة خصبة للتأمل في قضايا الوجود والزمن والمعرفة والمجتمع.وهي تبقى شاهدة على أن النص القرآني لا ينضب معينه،بل يظل قادراً على مخاطبة العقل والقلب في كل عصر،مقدماً حلولاً روحية وفكرية لأزمات الإنسان الوجودية.كما تقدم ( قصة أهل الكهف) نموذجاً ملهماً للوجود الإنساني الأصيل،حيث يتكامل البعد الديني والفلسفي في تقديم رؤية شاملة للوجود.فبينما يركز المنظور الفلسفي الوجودي على حرية الإنسان ومسؤوليته في صنع مصيره،يأتي المنظور الديني ليوضح أن الحرية الحقيقية والوجود الأصيل لا يتحققان إلا في عبادة الله والخضوع له.
هذه القصة-كما أشرت-تظل نموذجاً خالداً للصراع الوجودي بين الحق والباطل،وبين العبودية الحقيقية والعبودية الزائفة،لتظل دروسها تتجدد عبر العصور.أما بخصوص رؤية توفيق الحكيم في “أهل الكهف” فهي رؤية وجودية مأساوية في جوهرها.إنها استعارة قوية عن وضع الإنسان الذي يحاول العثور على معناه في عالم متغير سريعًا، وعن صراعه الأبدي مع الزمن الذي يهزمه في النهاية.والمسرحية ليست مجرد قصة عن أناس ناموا واستيقظوا،بل هي تأمل عميق في أسئلة الحياة،الموت،الحب،الإيمان،والاغتراب،مما يجعلها عملًا خالدًا يتجاوز زمن كتابته.
بقي أن نشير إلى أن جان بول سارتر لم يكتب رواية بعنوان “الحرية” بشكل مباشر.والعمل الأدبي الأكثر شهرة الذي يجسد أفكاره الوجودية حول الحرية هو رباعيته الروائية “طرق الحرية” (Les Chemins de la Liberté) والتي تضم: “عمر النضج” (L’Âge de raison)،”تأجيل” (Le Sursis) “موت في الروح” (La Mort dans l’âme)و(جزء رابع غير مكتمل)
هذا،دون أن يفوتنا التنوية بالقراءة العميقة من المنظورين الديني والفلسفي للأستاذ والباحث الطاهر عسيسيلة،الإبن البار لجهة تطاوين الشامخة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى