ماذا لو استيقظ العالم …..بقلم محب خيري الجمال

ماذا لو
أن الكلام نفسه انقلبَ علينا،
أتانا عاريا من الرحمة،
يعضُّ جفوننا ويعوي في جماجمنا
مثل ذئبٍ اكتشف متأخرا
أنه خُلق ليأكل صانعيه؟
ماذا لو
أن الحقيقة خرجت من تحت الأرض
مخضّبةً بالتراب والحنق،
تصفعنا صفعةً تُدوّي في العظام
وتطرد من صدورنا كلَّ أكاذيبنا
كما تُطرد الأرواحُ الساقطة
من بابٍ يكره أن يُغلق؟
ماذا لو
أن السماء سئمت هدوءَها، فانحنتْ فوق المدن
ورمتْ في شوارعنا صواعقَ من وعي، تشقُّ الرؤوس
كي ترى العيونُ ما كانت ترفض رؤيته،
وترتجف القلوب
حتى تتعلم كيف تخاف على غيرها؟
ماذا لو
أن الألم استيقظ من نومه الطويل،
أخذ عصاه وجال فينا واحدا واحدا،
يركض بين أضلعنا
كما تركض النار في هشيمٍ مبتلّ،
يحرقُ بلطفٍ مخيف
لا يقتل لكنه يجعل الموتَ يبدو كراحة؟
ماذا لو
أن العالم كلّه فقد القدرة على الكذب دفعةً واحدة،
انفجرت الأقنعةُ
تناثرت حتى غطّى غبارها نصف الكوكب،
وغضبت المرايا لأنها لن تتحمّل وحدها
فضيحة الوجوه الحقيقية؟
ماذا لو
أن الضمير خرج إلى الشارع ثائرا،
يتلو آيات غضبه على الجميع،
يُسمِعُ القادةَ ما يخافونه،
ويُسمِعُ المجرمين ما يعرفونه،
ويُسمِعُ الضحايا ما يستحقونه؟
ماذا لو
أن الأرض نفسها وقفت فجأة
صرخت: كفى!
صرخةً تشطر الزمن نصفين،
تجعل الحروب تهرول مذعورة، والظلم يرتجف
كما ترتجف الشجرةُ حين ترى الفأس قريبا،
وتجعل القتلة يبحثون عن أنفسهم
ولا يجدون سوى فراغٍ يتقيّأ أسماءهم؟
ماذا لو
أن عويل الأمهات في المخيمات ارتفع حتى اجتمع مع الريح،
فتحول إلى جدارٍ من الصوت
يحجب عن السماء ضوءها،
ويخنق الأرض التي لم تعد تتحمّل بكاءً
لم يهدأ منذ عقود؟
ماذا لو
أن الأطفال لم يعودوا يجدون أماكن للعب،
فأصبحوا يركضون بين الركام والخراب،
يمسكون بضحكاتٍ مهترئة،
يرمونها في الزوايا ليحفظوا شيئا من الطفولة،
ويرون في كل وجه غريب أبا أو أختا مفقودة؟
ماذا لو
أن الجنود توقفوا عن العدّ،
ورأوا وجوه أولئك الذين قتلوا أو حاصروا أو هُجروا،
فتجمّدوا في مكانهم، تملّكتهم ذرات من الشفقة
لكنها لم تكف لتغيير الحرب،
فأدركوا أن الضمير قد صار عبئًا لا يُحتمل؟
ماذا لو
أن الحب لم يمت، لكنه أصبح شيئا أشبه بالرماد،
يتناثر في الأماكن الميتة،
يخنق الكراهية ويخفف من ألم الفقد،
ويصرخ بصوتٍ خافت: أنا هنا، رغم كل شيء
ماذا لو…..
ماذا لو
أن هذا الجنون هو ما يلزمُ كي يُشفى العالم؟







