رؤي ومقالات

:إسلام وهبة يكتب:مصر والذكاء الاصطناعي: إدارة دولة تُعيد تشكيل المستقبل بقرارات حاسمة

في لحظة فارقة من تاريخ التحول الرقمي في المنطقة، تتعامل مصر مع الذكاء الاصطناعي ليس بوصفه تقنية جديدة، بل باعتباره ملفًا استراتيجيًا للدولة، يمس الأمن القومي، والاقتصاد، والخدمات، وقدرة المجتمع على المنافسة عالميًا. ومع تسارع التطورات التقنية، تحوّل الذكاء الاصطناعي إلى محور رئيسي في رؤية مصر للمستقبل، خاصة بعد أن دخل مرحلة التنفيذ الفعلي بناءً على توجيهات السيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي لدعم البنية التكنولوجية، وتأهيل الكوادر، وتوسيع اقتصاد الابتكار.

تشهد مصر في الوقت الحالي تحديثًا جذريًا للاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2025–2030، وهي خطوة تُقرأ — وفق محللين — باعتبارها إعلانًا واضحًا أن الدولة تتعامل مع التكنولوجيا بوصفها “قوة ناعمة جديدة” ومحركًا للنمو الاقتصادي، تمامًا مثل قناة السويس والطاقة والبنية التحتية في مراحل سابقة.

تتركز الجهود الحكومية على دمج الذكاء الاصطناعي في قطاعات حيوية:
– الصحة: نظم تحليل بيانات للكشف المبكر عن الأمراض ودعم الأطباء في التشخيص.
– التعليم: منصات تعليم ذكية تُقدم محتوى متكيفًا مع قدرات الطالب.
– النقل والمرور: أنظمة مراقبة وتحليل لحظي تقلل الازدحام وتحسن جودة الحياة.
– الخدمات الحكومية: تطوير خدمات رقمية تتنبأ باحتياجات المواطن وتسرّع الإجراءات.

هذه التحولات ليست عشوائية؛ بل تأتي ضمن رؤية لإقامة اقتصاد قائم على المعرفة، يدعم الابتكار ويخلق وظائف جديدة في مجالات مثل تحليل البيانات، البرمجة المتقدمة، الأمن السيبراني، تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي، والتطبيقات الصناعية الذكية.

من الناحية الصحفية، تشير مصادر داخل مؤسسات الرقمنة الحكومية إلى أن الدولة تخوض “معركة وقت” مع التقدم العالمي، وأن الاستثمار في العقول المصرية بات أولوية استراتيجية. ويتم العمل على برامج قومية لتأهيل آلاف الشباب على مهارات المستقبل، بالتعاون مع جامعات ومراكز بحثية محلية وعالمية.

لكن وسط هذه القفزة، تظهر تحديات حقيقية: الحاجة لبنية بيانات مؤسسية أكثر قوة، وضوابط تشريعية تنظم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، إضافة إلى رفع كفاءة البنية الحوسبية، وهو ما تعمل عليه الحكومة وفق خطط تمتد لسنوات.

ورغم ذلك، يبقى المؤكد أن مصر قد قررت بوضوح أن الذكاء الاصطناعي ليس خيارًا تقنيًا، بل هو امتداد طبيعي لمرحلة “الجمهورية الجديدة” التي تستهدف دولة حديثة تعتمد على العلم والمعرفة وصناعة المستقبل. إنها لحظة تتجاوز التكنولوجيا لتصل إلى إعادة تعريف طريقة إدارة الدولة نفسها.

فالسنوات القادمة لن تكون سباقًا على الأدوات، بل سباقًا على من يملك الرؤية والبنية والكوادر. ومصر — وفق المؤشرات الحالية — تتحرك بثقة، وبخطوات محسوبة، لتكون في مقدمة هذا السباق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى