من هدي النبوة… بقلم د. أحمد شديفات

بسم الله الرحمن الرحيم
من هدي النبوة
“… يَا عِبَادِي! إنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا؛ …”
هذه جزئية من حديث قدسي طويل منه :-
“… يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا…”رَوَاهُ مُسْلِم2577
أدركت فهما قد يكون مقصودا من حديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي وصفه ربه جل وعلا ” وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ”4،3 النجم
فالخطاب في الحديث للعباد واضح وبيان أن الله لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين
فالحقيقة أن الله لا يقبل طاعة العبد التي لا تعود بالفائدة عليه وينعكس أثرها على المجتمع مما ينسجم وشروط خلافة الإنسان على الأرض وفق مراد الله، وبهذا يكون هدف الفرائض والنوافل طاعة لله بما يحقق حسن معاملة البشر بعضهم البعض فيما يتبادلون …
مثال على ذلك قال الله تعالى “إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)45 العنكبوت فالصلاة هدفها تحقيق النهي عن الفحشاء والمنكر وهدفها طهارة المجتمع مما ينسجم مع طاعة الله في منع نشر الفاحشة والمنكر
فالمصلون الذين يسرقون ويرتشون ويكذبون أداة صلواتهم يترتب على ذلك عدم قبول طاعتهم لمخالفتكم هدف الصلاة فلا ثواب لهم وهذه خسارة فادحة كأنك ما صليت!
فالصورة المطلوبة من الصلاة تهذيب أفراد المجتمع بالطاعات المقبولة والتي تنعكس تربية والتزاما على المصلي إلا يسرق ولا يكذب وبهذا تكون الصلاة مفاعلة في حياتنا ومرآة أعمالنا ونور أفعالنا ولكن الملاحظ أن الأمور ليست كذلك
أجاب صلى الله عليه وسلم عن هذا في حديثه :-
“أتَدرونَ ما المُفلِسُ ؟ إنَّ المُفلسَ من أُمَّتي مَن يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ ، وزكاةٍ ، ويأتي وقد شتَم هذا ، وقذَفَ هذا ، وأكلَ مالَ هذا ، وسفكَ دمَ هذا ، وضربَ هذا ، فيُعْطَى هذا من حَسناتِه ، وهذا من حسناتِه ، فإن فَنِيَتْ حَسناتُه قبلَ أن يُقضَى ما عليهِ ، أُخِذَ من خطاياهم ، فطُرِحَتْ عليهِ ، ثمَّ طُرِحَ في النَّارِ”
ما بدها روحه للقاضي العبارات مفسره حالها والحقوق مستوفات من حسناتهم مقابل سيئاتهم والنتيجة إفلاس مكشوف ثم يطرح طرحا في النار إهانة له وإزدراء…
هؤلاء هم “الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا” 104 الكهف
وحديث آخر من واقع حياة الناس هو حسن معاملتك ومعاشرتك لهم وهذه الصورة مفقودة لعدم التعامل بها وخاصة بين الجيران بالذات؟
الحديث ” قالوا: يا رَسولَ اللهِ، فُلانةُ تَصومُ النَّهارَ وتَقومُ اللَّيلَ، وتُؤذي جيرانَها؟ قال: هيَ في النَّارِ،
قالوا: يا رَسولَ اللهِ، فُلانةُ تُصلِّي المَكتوباتِ، وتَصَّدَّقُ بِالأَثوارِ مِنَ الأَقِطِ، وَلا تُؤذي جيرانَها؟ قال: هيَ في الجنَّةِ ”
فالعبادات والتكاليف هدفها نفع على الخلق والوقوف عند حدود ما شرع الله لأنه بصلاح الفرد يصلح الكون وبهذا يكتب لك طاعة الصبر والتحمل على أذى الجيران وليس من السهل تحصل على ثواب إلا بعد اختبارك في طاعة الله،
ففي الحديث الصحيح “… قالَ: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أرَأَيْتَ إنْ ضَعُفْتُ عن بَعْضِ العَمَلِ؟ قالَ: تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فإنَّها صَدَقَةٌ مِنْكَ علَى نَفْسِكَ. وفي رواية: فَتُعِينُ الصَّانِعَ، أوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ” هذا أقل القليل أن تمنع نفسك أن تؤذي أحدا من خلق الله
وآية من كتاب الله في الصدقات
قال الله تعالى “لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ”37 الحج سؤال يطرح نفسه على كل عاقل منصف من المستفيد أولا وأخيرا من لحوم الهدي والأضاحي هم البشر بالذات ثم يأتي الجزاء والوفاء على قبول طاعة البذل والعطاء فالفائدة والهدف نفع الناس بالإطعام هذه هي الطاعة لله ليس لها تفسير غير ذلك آخر
وقال الله تعالى “… وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ…”104 التوبة
فالصدقة المقبولة المثاب عليها هي ما كانت من مال حلال على مستحقيها تأمين حاجة الفقراء يأخذها الله من مالك طاعة له ويثيبك الله عليها فصدقتك تعود عليك بالقبول والطاعة وفائدة تأكل وتطعم غيرك
فالعبادات أداة حفظ وتأمين ومراقبة على الأفعال حتى لا تفشل العبادات في تأدية وظيفتها كما هو حاصل اليوم عبادات مفرغة من مضمونها وروحها والتزامها
وهذا ما أراده ابو بكر رضي الله عنه في قوله “أطيعوني ما أطعتُ الله فيكم، فإذا عصيتُه فلا طاعة لي عليكم…” إذن طاعة الله من خلال تحقيق العدالة في الخلافة والحكم بين البشر وحتى يستفيق الغافل قبل فوات الأَوانُ إن كان في العمر بقية فصحح شراع السفينة نحو بر السلام …







