ذكاء في فخ التقنية: كيف تدمر التكنولوجيا التي تبدو لنا فطنة دماغنا….بقلم إسلام وهبة

في عصرنا الرقمي الراهن، حين يُشحذ العالم بالتطور التكنولوجي ويُعظم أثر الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية، يبرز تناقض مدهش: أذكى الناس الذين أعرفهم هم أول من يغرق في مهارة يرفضها معظم الناس، مهارة لطالما اعتُبِرت عديمة الفائدة، لكنهم يدركون أنها المفتاح الحقيقي لفهم العالم والتأمل فيه.
نعيش اليوم في زمنٍ تقول فيه التكنولوجيا إنها سترفع من مستوى وعينا وذكائنا – ولكنها بنفس الوقت تقف في وجه ما يحتاج إليه عقلنا فعليًا لكي يفكر بعمق. ففي السعي نحو السرعة والكفاءة، نخسر الأهم: القدرة على التأمل والتفكير الحر.
لم يكن الأمر دائمًا بهذا الشكل. خلال معظم القرن العشرين، كان البشر يزدادون ذكاءً على نحو ثابت. ظاهرة معروفة باسم تأثير فلين شهدت ارتفاعًا سنويًا بمعدل ثلاث إلى خمس نقاط في معدّل الذكاء عبر عشرات الدول. ما الذي أوصلنا إلى هذا الارتفاع؟ تحسينات في التغذية، والرعاية الصحية والتعليم.
لكن الحدث المفاجئ جاء عند بداية الألفية، حيث توقّف هذا المسار التصاعدي، ثم بدأ يتراجع. في الدول الصناعية المتقدمة، لم يعد معدل الذكاء يرتفع، بل بدأ ينخفض تدريجيًا.
تشير مراجعة شاملة للأدلة صُدّرت عام 2023 إلى تراجع ملموس في الأداء المعرفي في الولايات المتحدة منذ أواخر التسعينيات. أما في أوروبا، فالتدهور واضح في عدة دول، من فرنسا التي خَسِرت نحو أربع نقاط، إلى النرويج التي تُواجه انخفاضًا مستمرًا.
بعيدًا عن أي تفسير وراثي، تبيّن من دراسة نرويجية كبيرة شملت أكثر من 730 ألف شخص أن السبب ليس في الجينات، بل في البيئة. نعم، ما نقوم به كأفراد ومجتمعات يترك أثرًا عميقًا على بنيتنا المعرفية.
وهنا تكمن المفارقة: إن التكنولوجيا التي نعتقد أنها تدعم عقولنا، قد تسرق منها أهم ما تحتاج إليه لتنمو وتزدهر — التفكير المتأمل، الوعي العميق، والقدرة على الفهم دون توجيه خارجي.
لذا، قد يكون الحل في عودة إلى ما يُنظر إليه كثيرًا على أنه مهارة “غير عملية”: مهارة لا تعتمد على السرعة أو الإنتاجية فقط، بل على التأمل، التأني، والتعلم العميق. فربما الأذكى من بيننا هم من فهموا هذا، وهم من سيعيدون بناء عقولنا ضِمن عالم سريع لا يمنحنا وقتًا لنفكر.







