د. فيروز الولي تكتب :“اليمن… دولة تُدار بالتنازلات لا بالكفاءات”

في الدول التي تحترم نفسها، تُدار المناصب السيادية بمنطق الكفاءة: من درس، من اجتهد، من أثبت قدرته على إدارة الملفات الكبرى.
أما في اليمن، فالقاعدة مختلفة تماماً:
“هل تستطيع التنازل أكثر؟ إذن تفضل… هذا منصب سيادي!”
نعم، فإدارة اليمن اليوم ليست امتحان قدرات، ولا اختبار ذكاء، ولا منافسة على الخبرة… إنها ببساطة مسابقة انحناء. كلما زادت قابلية المسؤول لتقديم التنازلات، كلما ارتفع في السلم السياسي، حتى إننا لم نعد نعرف: هل نبحث عن وزراء أم عن جماعة مرنين في العمود الفقري؟
المناصب السيادية: كفاءة؟ لا يا سيدي… بل قابلية “السيولة”
المنصب السيادي في اليمن لم يعد رمزاً لهيبة الدولة، بل أصبح “هدية” تُمنح لمن يثبت أنه الأكثر طاعة، والأكثر استعداداً لتقديم الخدمات السياسية بلا شروط.
لا يهم أن يكون المسؤول:
بلا رؤية،
بلا خبرة،
بلا معرفة،
أو حتى بلا قدرة على كتابة جملة مفيدة…
المهم أن يكون سائلًا سياسياً، قابلًا للانصباب في أي قالب خارجي، وتحت أي ضغوط داخلية.
فالكفاءة تُهمَّش… والولاء الأعمى يُكافَأ.
ولذلك… صرنا نعيش هشاشة في الأمن والإدارة
حين تضع شخصاً في منصب لأنه تنازل، وليس لأنه يستحق، فماذا تتوقع؟
ستحصل على:
أمن هش،
قرار مرتبك،
مؤسسات تتنفس بالإنعاش الصناعي،
ومسؤولين يخافون من الشعب أكثر مما يخافون من الفشل.
والأدهى أن هؤلاء المسؤولين يعرفون جيداً أنهم لم يصلوا بالكفاءة… ولذلك يقمعون كل كفء يظهر أمامهم، كمن يطفئ كل مصباح حتى لا يظهر ظلامه.
تهميش الكفاءات… عملية منهجية وليست صدفة
السلطة في اليمن تعرف أن صاحب الكفاءة يستطيع أن يناقش، يعترض، يفهم، يرفض، ويطالب بتغيير حقيقي.
هذا النوع غير مرغوب فيه!
لذلك يصبح:
مغضوباً عليه،
مُبعداً عن القرار،
مُهمّشاً في إدارة الملفات،
وقد يُعامل كخطر على “هشاشة السلطة” لا على أمن الدولة.
السلطة الضعيفة لا تخاف من الخارج… بل من الداخل.
وتحديداً من كل إنسان يمتلك عقلية مستقلة لا تقبل بالابتلاع.
النتيجة… دولة تُدار بالفراغ
حين تمتلئ المناصب العليا بأشخاص وصلوا لا بفضل الكفاءة بل بفضل التنازل، فإن النتيجة الطبيعية هي:
انهيار مؤسسات،
أشباح وزارات،
قرارات مرتبكة،
إدارة أمنية بلا رؤية،
واقتصاد يعيش في غرفة الإنعاش.
وكأن اليمن تُدار بما يشبه:
“عصابة اجتماعات” لا دولة مسؤولة.
لماذا يمنع النظام الكفاءات؟
لأن الكفاءة تعني المساءلة.
والتنازل يعني الطاعة.
والسلطة في اليمن تريد الطاعة، لا المساءلة.
تريد مسؤولاً يقول “نعم” قبل أن يفهم السؤال.
وتريد موظفاً يوقع قبل أن يقرأ.
وتريد جيلاً يخاف من رفع رأسه حتى لا يُتهم بالخروج عن “الطاعة الوطنية”.
الخلاصة… اليمن لن ينهض بالمرنين، بل بالثابتين
اليمن لا يحتاج مسؤولين يعرفون كيف ينحنون… بل مسؤولين يعرفون كيف يقفون.
ولا يحتاج رجال دولة جاهزين للتنازل… بل رجال دولة قادرين على الرفض.
ولا يحتاج سلطات قائمة على الهشاشة… بل مؤسسات مبنية على الكفاءة.
فالوطن الذي تُهمّش فيه الكفاءات لن ينهض… مهما كثرت الشعارات وارتفعت الخطابات.
والمناصب التي تُمنح لمن يتنازل… ستنتج دولة تتنازل عن نفسها.







