كتاب وشعراء

أختي…بقلم هويدا صبري

إلى التي كانت تشبهني حتى في طريقة البكاء.

حين ترحل الأخت، لا يغيب شخص واحد فقط، بل يرحل نصف الضحك، ونصف القلب معها.

لم أنسَ ذلك اليوم مهما حاولت.
كانت السماء رمادية كأنها تشاركنا الحزن، والبيت صامت على غير عادته، حتى عقارب الساعة كانت تتحرك بخوفٍ، وكأنها تخشى أن تسرق منا اللحظات الأخيرة، دخلت غرفتها بخطواتٍ مترددة، كانت مستلقية على فراشها، شاحبة لكنها ما زالت جميلة كما عرفتها دائمًا، على الطاولة كوب شايٍ لم يكتمل، وكتاب مفتوح عند الصفحة التي وعدت أن تتابعها غدًا… لكن الغد لم يأتِ أبدًا، نظرت إليّ وابتسمت بتعبٍ موجع، تلك الابتسامة التي تخفي خلفها وجعًا أكبر من الكلام، قالت بصوتٍ مبحوح:
ـ “خلي بالك من نفسك… ما تسيبيش الدنيا تغيّرك.”
حاولت الرد، لكن الكلمات علِقت في صدري، كأنها تخاف الاعتراف بأن هذا وداع، مددت يدي أُمسك يدها، كانت باردة قليلًا، لكنها ما زالت تحمل دفء الأمان الذي لم أجده في أحدٍ سواها، همست لها برجاءٍ طفولي:
ـ “لسه بدري يا أختي… ما تمشيش.”
ابتسمت مرةً أخيرة، ثم أغلقت عينيها بطمأنينةٍ غريبة، وكأنها سلمت روحها لسلامٍ لم تعرفه في الحياة، تجمّد الوقت، وانطفأت الأصوات، حتى الهواء بدا كأنه خرج من الغرفة معها، منذ ذلك اليوم، كل شيء تغيّر، ضحكتي صارت ناقصة، وملامحي فقدت دفئها، وصوتها ما زال يدور في أرجاء البيت كأنها لم ترحل يومًا، كل زاوية تحمل بصمتها، كل فنجان قهوة يذكّرني بها، وكل ليلةٍ تمرّ أفتقد فيها حكاياتنا الصغيرة قبل النوم، أحيانًا أسمع ضحكتها في ذاكرتي، فأبتسم رغم الدموع، وكأنها تزورني لتطمئن، لكن الحقيقة المؤلمة هي أنني لم أتعافَ من رحيلها يومًا…
لقد غادرت جسدًا، وبقيت فيّ روحًا لا تغيب.

أختي…
غيابك لم يعلّمني القوة، بل علّمني الصبر بصمت، علّمني أن أعيش مكسورة دون أن أنهار، وأن أُخفي الحنين كجرحٍ أنيق لا يُرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى