كتاب وشعراء

أَحصِدُ الرِّيحَ بِمنجَلِ الخَيبَةِ…/ جورج عازار/ سوريا

أَحصِدُ الرِّيحَ بِمنجَلِ الخَيبَةِ

ضئيلاً مثلَ ضَوءِ مُسافرٍ
في المَدى
ومثلَ خيالٍ في الدُّروبِ البَعيدةِ
يَتراءَى
لا نَعلمُ إن كانَ
يَسيرُالسبيلُ بِنا
أم نَحنُ بِه نَسيرُ
مِثلَ سَحابةِ صَيفٍ
وكالمَطرِ الكاذبِ
والسَّنابلِ الفَارغةِ
ومثلَ الأرضِ العَطشى
من غيرِ غَيثٍ
وكَما الَوردةُ تَفقدُ شَذاها
والطيورُ مِنها أَغانيها تَتُوهُ
وكُلُّ الكلماتِ تَخسرُ مَعانيها
قالت: أنا لكَ، الأوراقُ
حين يَجيءُ الخَريفُ
وأنا لكَ، قطراتُ النَّدى حينَ الظَمأ
وأنا صَوتُ الحَنينِ
عِندما يَحلُّ الصَّمتُ المَقيتُ
جاءتْ ذَاتَ عُمرٍ
أخبرتْني عُصفورةُ البَراري
قالت: أُحبُّكَ
كما الأرضُ
تَتوقُ إِلى حبَّاتِ المَطرِ
وأهيمُ بكَ كالمُزنِ
الَّتي تَسبحُ في فَضاءاتٍ
من دونِ مُنتهى
أسماؤنا بالعِشقِ عَمَّدَها التَّاريخُ
وعلى بوَّاباتِ الحَياةِ
قبلَ بَدءِ الزَّمانِ نَقَشَها
قَالت، وقَالت…
ثم أعادتْ، ثم كَتَبت ثم قَالتْ
ومن غَيرِ ميعادٍ
حينَ جَنَّ الَّليلُ الدَاكنُ غَابت
حَمَلت حَقيبتَها ورَحلت
بعد أن نالت آفَةُ النِّسيانِ مِن ذاَكرتِها
وتغلغَلَ السَّلوانُ كالسُّوسِ
في دَفاترِ ذِكرياتها
جاءت ذَات صُدفةٍ
وعلى حينِ غِرَّةِ مَضَتْ
فلا الظَامئُ بِسَلسَبيلها اِرتوى
ولا ترانيمُ الهَوى في جَنَبَاتِها رُتِّلَتْ
ولا خُطوطُ الأرضِ بِمعاولِها الهَشَّةِ
آثارٌ هُناكَ رُسمَتْ
جاءت تَجمعُ نَسيماً
في جِرارِها المُهشَّمةِ
فلا البيداءُ بالخُضرةِ اِزدانت
ولا المُزنُ بالمَطرِ حَبِلَت
أتت سَراباً
ومَضَت طَيفاً
حَلَّقت إلى أبعدِ سَماءٍ
من غيرِ أجنحةٍ
وعلى اِنكسارٍ اِرتَمَتْ
باهِتَةً صارت مَلامِحُها
حين غادرَها الوَهْجُ
كأنَّها ما حَضرت
ولا هي ذَهبَت
وأنا في الأرجاءِ مازِلتُ
بِمنجَلِ الخَيبةِ
أحصِدُ الرِّيحَ
وأكتبُ بأقلامِ النَّكساتِ
يومَ الرَحيلِ
وذِكرى غيابِ القَمرِ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى