رؤي ومقالات

وليد عبد الحي يكتب :ماذا في جعبة “نيتنياهو” ؟

رغم التكلفة البشرية والمادية والمعنوية التي تحملتها اسرائيل بعد طوفان الاقصى، وهي تكلفة فاقت كل توقعات الدوائر الاسرائيلية السياسية والامنية والعسكرية والاقتصادية والاكاديمية ، فان الخطوة القادمة في تقديري هي نقطة التحول الكبرى في مستقبل القضية الفلسطينية التي ستحدد لاسرائيل “استمرار التكلفة او لجمها “.
بعد النجاح الاسرائيلي في “خنق المقاومة وحلفائها ، والتوسع المضطرد في التطبيع العربي، بل والتنسيق الامني الاسرائيلي العربي من تنسيق صامت وتنسيق شبه معلن ، والسيطرة على كل الارض الفلسطينية سيطرة عسكرية امنية غير مسبوقة “، تبرز ملامح الواقع الذي سيحدد أسس المستقبل القادم على النحو التالي:
أولا: هناك الآن 7.6 مليون فلسطيني في فلسطين التاريخية، وهو ما يفوق عدد اليهود فيها، فهل يعقل ان يكون هناك دولة يهودية اكثر من نصفها “غير يهود” بل اغلبهم اعداء للدولة اليهودية؟ وهذه تشكل المعضلة الاستراتيجية الكبرى لاسرائيل والتي تؤرق نيتنياهو وفريقه ، فكل الحلول للموضوع الفلسطيني مع وجود هذا العدد السكاني من الفلسطينيين هو امر مرفوض بالنسبة لمستقبل اسرائيل من وجهة نظر نيتنياهو.
ثانيا: اصبح الواقع العربي بعد تحطيمه رخوا الى الحد الذي يسمح لاسرائيل في التفكير في كل ما كان يبدو مستحيلا، وهذه الرخاوة هي التي ستمنح لنيتنياهو للقيام بما يلي:
أ‌- الرفض الاسرائيلي الواضح والقاطع لاقامة دولة فلسطينية في اراضي 1967، لان اقامتها “حتى بالوهم العربي وسلطة التنسيق الامني الفلسطينية ” يعني حربا اهلية بين اليهود بخاصة مع حوالي ثلاثة ارباع المليون من مستوطني الضفة الغربية، ناهيك عن أن كل عوامل الضغط العربية لفرض الحل على اسرائيل لم تعد قائمة-في الزمن الحالي- ،بل ان ما تبقى من هذه العوامل يجري المزيد من تحطيمه.
ب‌- حماية اسرائيل من خلال تحويل جنوب سوريا وجنوب لبنان وغزة ونهر الاردن ” مناطق عازلة” تشكل سورا أمنيا حول اسرائيل من كل الجهات.
لذلك يبدو ان الواقع يضع امام نيتنياهو ثلاثة بدائل:
1- اقامة دولة فلسطينية في غزة فقط والعمل على جعلها ” ريفيرا”، ومحاولة ايجاد صيغة ما لتوسيعها قليلا من خلال امتدادات “مشاريع مشتركة” مصرية فلسطينية في حواف صحراء سيناء المحاذية لغزة.
2- تهجير سكان الضفة الغربية وتوزيعهم على الدول العربية المجاورة والخليج وبعض الدول الغربية والافريقية، مع تكثيف الاستيطان الاسرائيلي على الحدود الغربية لنهر الاردن.
3- تكديس اكبر قدر ممكن من سكان الضفة الغربية في “بانتوستانات” يتم الحاقها بالاردن بكيفية او آخرى.
ثالثا: توسيع دائرة اجتثاث القوى المعادية للصهيونية في المنطقة من حركات دينية وقومية ويسارية بل وليبرالية نزيهة، وسيمتد ذلك الى مناهج التعليم وكل جوانب الثقافة الدينية والسينما والآداب …الخ، وعندما نشرت دراستي مع مركز دراسات الوحدة العربية حول مستقبل الظاهرة الدينية في العلاقات الدولية(عام 2005)، ثم نشرت دراسة اخرى مع جامعة القدس المفتوحة (عام 2015) تحت عنوان “مستقبل الاسلام السياسي في المنطقة العربية بين الاتجاه الفرعي والاتجاه الاعظم”، قلت بان الحركات الدينية العربية ستكون في اضعف لحظاتها بين عامي 2020 -2022.
رابعا: توسيع التغلغل الاقتصادي والتكنولوجي الصهيوني في دواليب الاقتصاد العربي وتوجيهه لصالح قوى تكريس هذا الواقع على المستوى الاقليمي العربي الشرق اوسطي وعلى المستوى الدولي.
خامسا: العمل الاسرائيلي “الغربي” على محاولة احياء أوسع للثقافات الفرعية داخل البناء المجتمعي العربي ، وقد تبين لي من دراسة نشرتها عام 2013 في المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات ان عدد الثقافات الفرعية في العالم العربي هو 70 ،وهو ما يعني تنوعا يصل الى 3.68 ثقافة فرعية للدولة العربية الواحدة، وهو ما تراه اسرائيل رصيدا لها، بل ان الادبيات الاسرائيلية اطلقت على هذه الثقافات ” حلف الضواحي” معها.
لكن عدم الاستقرار السياسي الحاد –وهو الاعلى عالميا- في المنطقة العربية يعني ان “البجعة السوداء” ترقد على بيض كثير…لكن متى تفقس وماذا ستفقس ؟ هذا ما يحتاج لتفكير عميق بارد جدا..وتبقى ربما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى