صلاح المختار يكتب :المستشرقون وعروبة العراق 1

ملاحظة: نظرا لتعاظم حملات الغرب والصهيونية والشعوبية وفي مقدمتها الفارسية التي تنكر عروبة العراق وبقية الاقطار العربية نعيد نشر ما نشرناه في عام 2014
هل اللغة العربية لغة صحراء ام لغة حضارة خضراء ؟
من بين اسوأ الظواهر ظاهرة عدم الانتباه بدقة لما ساد من نظريات وافكار بيننا كان مصدرها الاصلي هو العدو الفعلي لنا اي الصهيونية والقوى الغربية ، فتاريخنا العربي بشكل عام والعراقي بشكل خاص لم نكتبه نحن بل كتبه الغرباء من اوربيين وامريكيين تحت غطاء التخصص الاثاري او الاستشراق ، واذا تذكرنا بان الغرب الاستعماري لا يبحث او ينقب لوجه الله او لاغراض العلم الصرف وانما لتحقيق اهداف التوسع الاستعماري نستطيع تفسير اسرار كتابة تاريخنا على اياديهم بصورة مزورة عمدا وتخطيطا . ولعل قضية ( تعريب ) العراق او (دخول العرب) اليه كما قيل واحدة من اكثر عمليات التزوير في التاريخ الانساني كذبا .
التاريخ الذي نقرأه ليس هو ما حصل فعل في الزمن الماضي وانما هو ما كتبه المنتصر والاكثر تقدما ، ولهذا علينا التوقف عن اعتبار كل ما قيل في كتب التاريخ صحيحا ولا يقبل الجدل ومنها تاريخ العراق . يوجد في تاريخنا الذي كتبه المستشرقون الاوربيون تلفيقين اساسيين متعمدين :
التلفيق الاول الادعاء بان العراق كيان حديث ولد في عشرينات القرن العشرين وهو لم يكن موجودا قبل ذلك ومن عاش فيه اقوام مختلفة : سومريون وبابليون واشوريون وعرب ، وهذه كذبة كاملة الاركان !
والتلفيق الثاني نظرية اخرى تقول بان العرب دخلوا العراق بعد الفتح الاسلامي واستولوا عليه وابعدوا السكان الاصليين ! وتلك الكذبة الاخرى التي وضعها المستشرقون !
ولكي نعيد الحقائق الى مكانها امام العالم ينبغي تدقيق التاريخ لا كما كتب بل كما حصلت احداثه بالاعتماد على الادلة الواضحة وفحصها من كافة الجوانب ، وبذلك نساهم بنسف تلك النظريات العنصرية المزورة لتاريخنا :
1-الدلالات اللغوية : هل اللغة العربية لغة صحراء ام لغة حضارة خضراء ؟ وكم قرن تحتاج لغة مثل العرابية كي تكتمل؟ الاجابة على هذين السؤالين تساعدنا على فهم حقيقة الوجود العربي في العراق وغيره . فلو حللنا اللغة العربية الحالية بما فيها من مفردات ضخمة نلاحظ انها غزيرة بمفردات تصف الحياة في بيئة غير صحراوية كالغابات المطيرة والفيلة والقرود والاسود …الخ ، علينا هنا الاخذ بنظر الاعتبار قاعدة ان المفردة في اي لغة لا تضاف اليها الا عند بروز الحاجة لتسمية شيء موجود وليس له اسم ، فكل مفردة يفترض انها نتاج وجود قائم في زمن اضافة الكلمة او المفردة . فمثلا من كان يعرف معنى اللاب توب او الموبايل مثلا قبل اختراعهما ؟ اخترعت هذه الاشياء ثم اطلقت عليها تسمية خاصة بها اما قبلها لو قلت لاب توب لما عرف المستمع انك تعني جهاز الكومبيوتر النقال ابدا لسبب بسيط هو انه غير موجود وانت لا تستطيع رؤية غير الموجود .
لهذا فمن يحلل اللغة العربية يجد انها اكبر اللغات في العالم بمفرداتها والاكثر دقة في استخدام المفردات ففي الانكليزية مثلا تستخدم كلمة واحدة للتعبير عن عدة اشياء في وقت واحد لذلك فهي توقع في اشكاليات التداعيات الذهنية المختلفة لتلفظ كلمة ما بمعان مختلفة . بينما العربية محددة بدقة . لنقدم مثلا على ذلك في اللغة الانكليزية كلمة Get)) تعني عدة اشياء منها اخذ واستلم وحصل (على المتعة مثلا ) وامسك وتسبب …الخ ، هذا التعدد في معنى كلمة واحدة حتى لو اضيفت لها كلمات اخرى ينتج اضطرابا حتى باللاشعور ويعقد الية الفهم . اما في العربية فهذه الكمة تعني( اخذ ) فقط والعربي حينما تقول له (اخذ ) لا تحصل في ذهنه تداعيات متداخلة بل يفهمها بسرعة وببساطة .
والاسد في العربية له اكثر من اربعين اسما كل اسم يصف حالة من حالاته ففي الغضب له اسم وفي الافتراس له اسم اخر وهكذا ، فالاسد في العربية لديه عدد من الاسماء وليس اسما واحدا وكل اسم يعرّف بدقة بوضعه في لحظة ما بكلمة خاصة بينما في الانكليزية للاسد اسم واحد فقط لا غير هو ( Lion) . بعد هذه التوضيحات ثمة تساؤل لابد منه وهو : كيف يمكن للغة صحراء ليس فيها اسد الغابة ان تصفه بهذه التنوعات الرائعة ؟ وكيف للغة صحراء ان تصف الغابات المطيرية بتفاصيل مذهلة ؟ الجواب واحد لا غير انها لغة لم تولد اصلا في بيئة صحراء وانما في بيئة غابات مطيرية حينما كانت الجزيرة العربية مملوءة بالمياه وفيها امطار غزيرة . هذا هو التفسير الوحيد لثراء اللغة العربية اللغوي لانها كانت لغة حضارة راقية قديمة كانت موجودة قبل كتابة التاريخ المعروف للعالم .
هنا نواجه سؤالا جوهريا يعد مفتاحا للفهم الصحيح وهو : متى كانت الجزيرة العربية منطقة غابات غنية بالمياه ؟ الجواب هو الذي يحدد عمر اللغة العربية ففي الدراسات الجيولوجية والعلمية العامة ثبت ان الجزيرة العربية بدأت بالتصحر بعد انتهاء العصر الجليدي الاخير قبل حوالي 12 الف عام واخذ التصحر يزحف بقوة الى ان تحولت الى صحراء قاحلة ، ولكنها اخفت في جوفها اجزاء كبيرة مما كان فيها قبل الاف السنين ومنه النفط الذي نتج عن اندراس الغابات والحيوانات وتفاعلها ، وكميات هائلة من المياه في باطن الجزيرة العربية . هذه حقيقة جغرافية علمية وليست نظرية سياسية استشراقية منحازة ، وفرضت تلك الاكتشافات نفسها على المستشرقين .
ولكن هل كانت اللغة العربية واحدة ام انها ام للغات اخرى فرعية ؟ بعد التصحر وانهيار نظم الري والحضارات التي قامت على المياه تفرق الناس وتضاءل عددهم بحكم تقلص موارد العيش الزراعية وغيرها ، وادى التصحر الى انهاء مرحلة المدن الكثيفة المتلاصقة في زمن المياه وصارت قرى متباعدة جغرافيا يتحدد انشاءها بشرط توفر ابار الماء او الانهار التي اخذت تجف تدريجيا . وبحصول التباعد الجغرافي وتدهور الثقافة وهيمنة الفقر نشأت لهجات او لغات فرعية بمرور الزمن .
وتلك اللهجات هي ما اطلق عليها المستشرقون الغربيون تسمية (اسرة اللغات السامية ) نسبة الى سام بن نوح مع انها شخصية اسطورية ولكنهم استخدموها للتعمية على التاريخ الحقيقي ولتزويره ، فهذه اللغات لغات جزيرية وليست سامية لان اصلها هو جزيرة العرب ومنها اللغة العربية الحالية واللغة العبرية واللغة الامازيغية واللهجات العربية كلها تقريبا والتي تعد من بقايا تلك اللغات التي يربط بينها انها من ام واحدة هي اللغة العربية الفصحى الاصلية التي كانت اللغة الرسمية والسائدة في جزيرة العرب قبل اكثر من 12 الف عام .
2- ماذا قالت الحفريات الاثارية التي اجراها سوسة ؟نأتي الان الى عملاق عراقي اصيل هو الدكتور احمد سوسة الذي عرفته موسوعة ويكيبيديا كما يلي: (ولد الدكتور أحمد نسيم سوسة في مدينة الحلة بالعراق عام 1318 هـ/1900م،واتم دراسته الاعدادية (الثانوية العامة) في الجامعة الأمريكية ببيروت عام 1924م،ثم حصل على شهادة البكلوريوس في الهندسة المدنية عام1928 من كلية كولورادو في الولايات المتحدة. وواصل بعد ذلك دراسته العليا فنال شهادة الدكتوراه بشرف من جامعة جون هوبكنز الأمريكية عام 1930،وقد انتخب عضوا في مؤسسة (فاي بيتا كابا) العلمية الأمريكية المعروفة، كما منحته جامعة واشنطن عام 1929 جائزة (ويديل) التي تمنح سنويا لكاتب أحسن مقال من شأنه أن يسهم في دعم السلم بين دول العالم. ويعد الدكتور أحمد سوسة واحد من أقدم المهندسين العراقيين الذين تخرجوا من الجامعات الغربية. وقد كان احمد سوسة يهودي الديانة لكنه أعتنق الإسلام بعد ذلك.) .
الف د.سوسة العديد من الكتب والدراسات الميدانية وفي مقدمتها (العرب واليهود في التاريخ ) وكتاب ( تاريخ اليهود في العراق ) ولكن اهم ما اثبته في كتبه وكتاباته تلك هو حقيقة نسفت نظريات المستشرقين الغربيين التي قالت بان وجود العرب في العراق وغيره خارج الجزيرة العربية طارئ وليس اصيل ، اكتشافات سوسة المادية بعد اكثر من اربعين عاما بحثا وتنقيبا في نظم الري وتاريخها واثارها تثبت ان العرب بدأت هجرتهم من الجزيرة العربية قبل 12 الف عام ومنها وصلوا للفرات الاوسط اي سوريا واقاموا فيها الفي عام ثم نزل قسما منهم الى الفرات الجنوبي اي العراق قبل عشرة الاف عام ، واقاموا اعظم الحضارات في وادي الرافدين وفي مقدمتها الحضارات السومرية والبابلية والاشورية المتعاقبة والمتناسلة من بعضها والتي تشكل كلها هوية واحدة ثقافيا وعرقيا وليس كما يدعي المستشرقون ان السومريون غامضوا الاصل بينما البابليين والاشوريين ساميين !
هذه الحضارات التي حكمت العراق كانت على يد العرب وليس على يد اقوام اخرى لا نعلم اين ذهبت اذا كانت فعلا قد وجدت ! فسكان العراق منذ اكثر من عشرة الاف عام هم انفسهم لم يهاجروا من العراق لسبب بسيط هو انه بقي ثريا بمياهه وارضه الزراعية وهي مميزات تتقاتل حولها الشعوب فلم يهاجر السومري او البابلي او الاشوري من وادي الرافدين ؟ لا تقول اي لقية اثرية او مخطوطة وهي المرجع الحقيقي وليس نظريات المستشرقين ان شعب العراق هاجر جماعيا منه وتركه لغيره بل تؤكد كل الالواح والمعلومات الاثارية ان الحضارات توالت على يد نفس الشعب من السومريين الى البابليين الى الاشوريين ثم المسلمين .
اللغات التي ظهرت كلها فروع من اللغة الجزيرية الام وليس من مصدر اخر ولذلك فان قواعدها شبه متطابقة ومفراداتها متشابهة او من نفس المعنى ، فقد جرت مقارنات بين اللغات القديمة واللهجات الحالية فوجد الباحثون ان اللهجات الحالية العراقية وغيرها من اللهجات العربية تمثل مزيجا من اللغات الجزيرية القديمة المندثرة وما اضيف اليها من مصطلحات من لغات اخرى نتيجة التمازج والاختلاط والتلاقح الفكري والثقافي .
هل يوجد دليل علمي عالمي اخر وربما اهم يدعم ما تقدم ؟ نعم فلقد ادى فتح ما يسمى ب ( الجينوم ) اي المنظومة الجينية للانسان الى الدعم الكامل لما توصل اليه دكتور سوسة لدرجة ان التطابق بين ما اعلنه في كتبه وما اكتشفه العلماء المختصين بالجينات الوراثية كان كاملا ومذهلا كما سنرى . يتبع.







